| كتاب بحْـرُ الدّمُوع | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 1:41 pm | |
| المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا. أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغيّ، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد بالله حق جهاده، وعبد ربه حتى أتاه اليقين من ربه.أما بعد، فهذا كتاب من أجلّ كتب الوعظ يرقق القلوب المعرضة عن ذكر الله سبحانه وتعالى. فالتوبة والندم سبب كشف الغم، ودفع البلاء.فالسعيد من وعظ بحال أبيه آدم. فتاب واستغفر. والشقي من دعاه ابليس فأصر واستكبر.وقد قمنا بتخريج التراجم الواردة بالكتاب على المصادر والكتب المطبوعة منها.وخرجت الآيات القرآنية على المصحف الشريف، وبعض ما ورد من أحاديث على كتب الحديث.والله أدعو أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.- المرفقات
- ط§ظ„ظ…ط¤ط§ظ…ط±ط© ط¹ظ„ظ‰ ظ…طµط±-ظ…ط¹ط¯ظ„.pdf
- لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
- (762 Ko) عدد مرات التنزيل 2
| |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 1:46 pm | |
| مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الفقيه الامام العابد أبو محمد عبدالرحمن بن علي الجوزي، رحمه الله تعالى ورضى عنه بمنّه وكرمه:الحمد لله الذي اخترع الأشياء بلطيف قدرته، وبديع صنعته، فأحسن فيما اخترع، وأبدع الموجودات على غير مثال، فلا شريك له فيما ابتدع، ألف بين اللطيف والكثيف من أعداد آحاد الجوهر وجمع، ليقرّ له بالوحدانية، ويستدلّ على وجود الصانع بما صنع، فالعارفون واقفون تحت مطارف اللطائف بأقبية أبينة التوبة والورع، ليس لقلوبهم مجال في ميدان الكبرياء على أن حماه رحب متسع، فهم ان مالوا الى نيل مطلوبهم، ردّهم قهر الهيبة الى مفاوز الخوف والجزع، وان همّوا بالذهاب عن الباب، عاقهم قيود الغيب، فعز عليهم الرجوع وامتنع. فمنهم كاتم محبته قد كف شكوى لسانه وقطعومنهم بائح يقول اذا لام عذول ذر الملام ودعأليس قلبي محل محنته وكيف يخفى ما فيه وهو قطعأين المحبون والمحب لهم وأين من شتت الهوى وجمعلهم عيون تبكي فوا عجبا لجفن صبّ اذا هما ودمعقد حرّموا النوم والمتيم لا هجوعا اذا الخلي هجعبالباب يبكون والبكاء اذا كان خليّا من النفاق نفعتشفع فيهم دموعهم واذا شفع دمع المتيمين شفعفبينما هم حيارى بين الخوف والجزع، سكارى من شراب اليأس والطمع، اذ بزغ عليهم قمر السعادة من فلك الارادة في جوانب قلوبهم ولمع، وأفيض عليهم من ملابس سنادس الاستيناس والبسط خلع، لكل خلعة علمان من الايمان، ما زيّن بهما بشر، الا ارتفع، رقم العلم الأيمن:{ سبقت لهم منا الحسنى} الأنبياء 101، ورقم العلم الأيسر:{ ولا يحزنهم الفزع} الأنبياء 103، فسبحان من يتوب على الجاني، ويقبل العاصي اذا تاب اليه ورجع.وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، شهادة من أقرّ له بالوحدانية، واعترف له بالربوبية والألوهية، ولعز جلاله وجماله قد خضع.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي سنّ السنن، وبيّن الفرائض، وشرع الأعياد والجمع، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما ركد الماء ونبع، وظهر في ميدان سطح السماء نجم وطلع، وسلم تسليما كثيرا.قال الله العظيم:{ وذكّر فان الذكرى تنفع المؤمنين} الذاريات 55، وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" قال الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه اذا ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه، وان ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وان تقرّب اليّ شبرا تقرّبت منه ذراعا، وان تقرّب اليّ ذراعا، تقرّبت منه باعا، وان أتاني مشيا، أتيته هرولة" رواه مسلم حديث رقم 2675.وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من عجز منكم عن الليل أن يكابده، وجبن عن العدو أن يقاتله، وبخل بالمال أن ينفقه، فليكثر ذكر الله تعالى". صحيح بشواهد منه من حديث ابن مسعود.وقال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مسجد المدينة، فقال:" ان لله تعالى سرايا من الملائكة تجول، وتقف على مجالس الذكر في الأرض، فاذا رأيتم رياض الجنة، فارتعوا".قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال:" مجالس الذكر، اغدوا وروحوا في ذكر الله تعالى، ومن كان يحبّ أن يعلم منزلته عند الله تعالى، فلينظر كيف منزلة الله عنده، فان الله ينزل العبد حيث أنزله من نفسه. صححه الحاكم في المستدرك، وضعفه الذهبي في التلخيص.وقال عبدالله بن بسر: أتى رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ان شرائع الاسلام كثرت عليّ فأمرني بشيء أتشبث به، فقال:" لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله تعالى" رواه الترمذي 3375، وابن ماجه وصححه ابن حبان.وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ما من يوم الا وبقاع الأرض تنادي بعضا بعضا: يا جارة، هل جاز عليك اليوم ذاكرا لله تعالى" رواه ابن المبارك في الزهد.اخواني، اذا صعدت الملائكة من مجالس الذكر، قال المولى جل علاه: يا ملائكتي، أين كنتم، وهو أعلم، فيقولون: يا ربنا، أنت أعلم، كنا عند عبادك يسبّحونك ويقدّسونك ويعظمونك ويمجّدونك ويسألونك ويستغفرونك ويستعيذونك، فيقول: يا ملائكتي، وما الذي طلبوا؟ ومما استعاذوا؟ فيقولون: يا ربنا أنت أعلم، طلبوا الجنة، واستعاذوا من النار، فيقول: يا ملائكتي، اشهدوا أنّي قد أعطيتهم ما طلبوا، وأمنتهم مما خافوا، وأدخلهم الجنة برحمتي". مسلم 632.وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى يقول:" عبدي اذكرني ساعة بالغداة وساعة بالعشيّ، أكفك ما بينهما".وفي بعض الكتب المنزلة أن الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم ما أجبرك! تسألني، فأمنعك لعلمي بما يصلحك، ثم تلح عليّ في المسألة، فأجود برحمتي وكرمي عليك، فأعطيك ما سألتني، فتستعين بما أعطيك على معصيتي، فأهمّ بهتك سترك، فكم من جميل أصنعه معك، ومن من قبيح تعمله معي. يوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبدا.وفي بعض الكتب المنزلة أيضا: يقول الله تبارك وتعالى: عبدي، الى كم تستمر على عصياني، وأنا غذيتك برزقي واحساني، أما خلقتك بيدي؟ أما نفخت فيك من روحي؟ أما علمت فعلي بمن أطاعني، وأخذي لمن عصاني؟ أما تستحي تذكرني في الشدائد وفي الرخاء تنساني؟ عين بصيرتك أعماها الهوى. قل لي بماذا تراني، هذا حال من لم تؤثر فيه الموعظة، فالى كم هذا التواني؟ ان تبت من ذنبك، آتيتك أماني. اترك دارا صفوها كدر، وآمالها أماني. بعت وصلي بالدون، وليس لي في الوجود ثاني. ما جوابك اا شهدت عليك الجوارح بما تسمع وترى:{ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} آل عمران 30.وأنشدوا:تعصي الاله وأنت تدعي حبه هذا محال في القياس بديعلو كان حبك صادقا لأطعته ان المحب لمن يحب مطيع قال مالك بن دينار: دخلت على جار لي وهو في الغمرات يعاني عظيم السكرات، يغمى عليه مرة، ويفيق أخرى، وفي قلبه لهيب الزفرات، وكان منهمكا في دنياه، متخلفا عن طاعة مولاه، فقلت له: يا اخي، تب الى الله، وارجع عن غيّك، عسى المولى أن يشفيك من ألمك، ويعافيك من مرضك وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك. فقال: هيهات هيهات! قد دنا ما هو آت، وأنا ميّت لا محالة، فيا أسفي على عمر أفنيته في البطالة. أردت أن أتوب مما جنيت، فسمعت هاتفا يهتف من زاوية البيت: عاهدناك مرارا فوجدناك غدارا. نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونستغفره من الذنوب المتقادمة. يا أخي أقبل على قبلة التوجه الى مولاك، وأعرض عن مواصلة غيّك وهواك وواصل بقية العمر بوظائف الطاعات، واصبر على ترك عاجل الشهوات، فالفرار أيها المكلف كل الفرار من مواصلة الجرائم والأوزار، فالصبر على الطاعة في الدنيا أيسر من الصبر على النار.وأنشدوا:أمولاي اني عبد ضعيف أتيتك أرغب بما لديكأتيتك أشكو مصاب الذنوب وهل يشتكى الضر الا اليكفمنّ بعفوك يا سيّدي فليس اعتمادي الا عليك. قال بعض السادة الأخيار لولده لما حضرته الوفاة: يا بنيّ، اسمع وصيتي، واعمل ما أوصيك به. قال نعم يا أبت. قال يا بنيّ، اجعل في عنقي حبلا، وجرّني الى محرابي، ومرّغ خدي على التراب، وقل: هذا جزاء من عصى مولاه، وآثر شهوته وهواه، ونام عن خدمة مولاه. قال: فلما فعل ذلك به، رفع طرفه الى السماء وقال: الهي وسيدي ومولاي، قد آن الرحيل اليك، وأزف القدوم عليك، ولا عذر لي بين يديك، غير أنك الغفور وانا العاصي، وأنت الرحيم وأنا الجاني، وأنت السيد وأنا العبد، ارحم خضوعي وذلتي بين يديك، فانه لا حول ولا قوة الا بك.قال: فخرجت روحه في الحال، فاذا بصوت ينادي من زاوية البيت سمعه كل من حضر وهو يقول: تذلل العبد لمولاه، واعتذر اليه مما جناه، فقرّبه وأدناه وجعل الجنة مأواه.الهي ان كنت الغريق وعاصيا فعفوك يا ذا الجود والسعة الرحببشدّة فقري باضطراري بحاجتي اليك الهي حين يشتد بي الكرببما بي من ضعف وعجز وفاقة بما ضمّنت من وسع رحمتك الكتبصلاة وتسليم وروح ورواحة على الصادق المصدوق ما انفلق الحبأبي القاسم الماحي الأباطيل كلها وأصحابه الأخيار ساداتنا النجب اخواني، هذا القبول ينادي صبيان الهوى، الشاب التائب حبيب الله، ويصيح بكهول لخطا عسى الله أن يتوب عليهم، ويهتف بشيوخ الندم: انا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي.وفي الخبر: اذا تاب العبد الى الله عز وجل، وحسنت توبته، وقام بالليل يناجي ربه، أوقدت الملائكة سراجا من نور، وعلقته بين السماء والأرض، فتقول الملائكة: ما هذا؟ فيقال لهم: ان فلان بن فلان قد اصطلح الليلة مع مولاه.وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اذا قام العبد بالليل، تباشرت أعضاؤه، ونادى بعضها بعضا: قد قام صاحبنا لخدمة الله تعالى".وعن أحمد الحواري، قال: دخلت على أبي سليمان الداراني، فوجدته يبكي، فقلت له: وما يبكيك يا سيدي؟ قال لي: يا أحمد، ان أهل المحبة اذا جنهم الليل، افترشوا أقدامهم، فدموعهم تجري على خدودهم بين راكع وساجد، فاذا أشرف المولى جل جلاله عليهم، قال: يا جبريل، بعيني من تلذذ بكلامي، واستراح الى مناجاتي، واني لمطلع عليهم، أسمع كلامهم، وأرى حنينهم، وبكاءهم، فنادهم يا جبريل، وقل لهم: ما هذا الجزع الذي أرى بكم؟ هل أخبركم مخبر أن حبيبا يعذب أحبابه بالنار؟ أم هل يحمل بي أن أبيّت قوما، وعند البيات أمرهم الى النار؟ لا يليق هذا بعبد ذميم، فكيف بالملك الكريم؟! فبعزتي لأجعلن هديّتي اليهم أن أكشف لهم عن وجهي الكريم، فأنظر اليهم وينظرون اليّ.وعن أبي سليمان الداراني رضي الله عنه، قال: قرأت في بعض الكتب المنزلة: يقول الله تعالى: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي، وكابد المكابدون في طلب مرضاتي، فكيف بهم وقد صاروا الى جواري، وبحبحوا في رياض خلدي هنالك فليبشر المصغون بأعمالهم يالنظر العجيب الى الحبيب القريب. أترون أني أضيع لهم ما عملوا؟ كيف وأنا أجود على المولين، وأقبل التوبة على الخاطئين وأنا بهم أرحم الراحمين؟!. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 1:50 pm | |
| الفصل الأول يا أسير دنياه يا عبد هواه
يا أسير دنياه، يا عبد هواه، يا موطن الخطايا، ويا مستودع الرزايا، اذكر ما قدّمت يداك، وكن خائفا من سيدك ومولاك أن يطّلع على باطن زللك وجفاك، فيصدك عن بابه، ويبعدك عن جنابه، ويمنعك عن مرافقة أحبابه، فتقع في حضرة الخذلان، وتتقيد بشرك الخسران، وكلما رمت التخلص من غيّك وعناك، صاح بك لسان الحال وناداك:
اليك عنا فما تحظى بنجوانا يا غادرا قد لها عنا وقد خانا
أعرضت عنا ولم تعمل بطاعتنا وجئت تبغي الرضا والوصل قد بانا
بأي وجه نراك اليوم تقصدنا وطال ما كنت في الأيام تنسانا
يا ناقض العهد ما في وصلنا طمع الا لمجتهد بالجدّ قد دانا
يا من باع الباقي بالفاني، اما ظهر لك الخسران، ما أطيب أيام الوصال، وما أمرّ أيام الهجران، ما طاب عيش القوم حتى هجروا الأوطان، وسهروا الليالي بتلاوة القرآن فيبيتون لربهم سجدا وقياما.
عن عبد العزيز بن سلمان العابد، قال: حدثني مطهر، وقد كان بكى شوقا الى الله تعالى ستين عاما، قال: رأيت كأني على ضفة نهر يجري بالمسك الاذفر، وحافاته شجر اللؤلؤ، وطينة العنبر، وفيه قضبان الذهب، واذا بجوار مترنمات يقلن بصوت واحد: سبحانه وتعالى سبحان، سبحان المسبّح بكل لسان سبحان الموجود في كل مكان نحن الخالدات فلا نموت أبدا. نحن الراضيات، فلا نغضب أبدا. نحن الناعمات، فلا نتغيّر أبدا. قال: فقلت لهن: من أنتن؟! فقلن: خلق من خلق الله تعالى. قلت: ما تصنعن هاهنا؟ فقلن بصوت واحد حسن مليح:
ذرانا اله الناس رب محمد لقوم على الأطراف بالليل قوم
يناجون رب العالمين الههم ونسرى هموم القوم والناس نوم
فقلت: بخ بخ! من هؤلاء الذين أقر الله أعينهم؟ قلن: أما تعرفهم؟! قلت: لا والله ما أعرفهم. فقلن: هم المجتهدون بالليل، أصحاب السهر بالقرآن.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اذا أذنب العبد، وتاب الى الله، وحسنت توبته، تقبل الله منه كل حسنة عملها، وغفر له كل ذنب اقترفه، ويرفع له بكل ذنب درجة في الجنة، ويعطيه الله بكل حسنة قصرا في الجنة، ويزوجه الله حورا من الحور العين".
وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أوحى الله الى داود عليه السلام: يا داود، بشر المذنبين، وأنذر الصديقين، فتعجب داود عليه السلام، فقال: يا رب، فكيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين؟! قال الله تعالى: يا داود، بشر المذنبين ألا يتعاظمني ذنب أغفره، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم، فأني لا أضع حسابي على أحد الا هلك. يا داود، ان كنت تزعم أنك تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك، فان حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد. يا داود، من احبني، يتهجد بين يدي اذا نام البطالون، ويذكرني في خلوته اذا لها عن ذكري الغافلون، ويشكر نعمتي عليه اذا غفل عني الساهون".
وأنشدوا:
طوبى لمن سهرت بالليل عيناه وبات في قلق من حب مولاه
وقام يرعى نجوم الليل منفردا شوقا اليه وعين الله ترعاه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" البرّ لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديّان لا يفنى. كن كيف شئت كما تدين تدان".
ما هذا، أتدري ما صنعت؟ بعت القرب بالبعد، والعقل بالهوى والدين بالدنيا.
وأنشدوا:
قم فارث نفسك وابكها ما دمت وابك على مهل
فاذا اتقى الله الفتى فيما يريد فقد كمل
وعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما نزع الله عبدا من ذنب الا هو ويريد أن يغفر له، وما استمال الله عبدا لعمل صالح، الا وهو يريد أن يتقبله منه".
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" التائبون اذا خرجوا من قبورهم، ارتفع من بين أيديهم ريح المسك، ويأتون على مائدة من الجنة يأكلون منها وهم في ظل العرش، وسائر الناس في سدّة الحساب".
ويروى أن رجلا أتى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، بما أتقي النار؟ قال:" بدموع عينيك". قال: وكيف أتقيها بدموع عيني؟ قال:" أهمل دموعهما من خشية الله، فانه لا يعذب بالنار عينا بكت من خشيته". قال المصنف في العلل المتناهية هذا حديث لا يصح عن رسول الله.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قطرة تخرج من عين المؤمن من خشية الله، خير له من الدنيا وما فيها، وخير له من عبادة سنة، وتفكّر ساعة في عظمة الله وقدرته خير من صيام ستين يوما وقيام ستين ليلة. ألا وان لله ملكا ينادي في كل يوم وليلة: أبناء الأربعين، زرع دنا حصاده، أبناء الخمسين، هلموا الى الحساب، أبناء الستين، ماذا قدّمتم وماذا أخرتم، أبناء السبعين، ماذا تنتظرون. ألا ليت الخلق لم يخلقوا، فاذا خلقوا ليتهم علموا لما خلقوا له، فعملوا لذلك. ألا قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم".
نزه مشيبك عن شيء يدنّسه ان البياض قليل الحمل للدنس
يا عبد السوء، كم تعصي ونستر، كم تكسر باب نهي ونجبر، كم نستقطر من عينيك دموع الخشية ولا يقطر، كم نطلب وصلك بالطاعة، وأنت تفرّ وتهجر، كم لي عليك من النعم، وأنت بعد لا تشكر. خدعتك الدنيا وأعمال الهوى وأنت لا تسمع ولا تبصر. سخّرت لك الأكوان وانت تطغى وتكفر، وتطلب الاقامة في الدنيا وهي فنظرة لمن يعبر.
منعوك من شرب المودة والصفا لما رأوك على الخيانة والجفا
ان أنت أرسلت العنان اليهم جادوا عليك تكرّما وتعطّفا
حاشاهم أن يظلموك وانما جعلوا الوفا منهم لأرباب الوفا
وروي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال:" دخلت على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان حسن الجوار، وكان حسن السيرة، حسن الأخلاق، فرجوت أن الله يوفقه عند الموت، ويميته على الاسلام، فقلت له: ما تجد، وكيف حالك؟ فقال: لي قلب عليل ولا صحة لي، وبدن سقيم، ولا قوة لي، وقبر موحش ولا انيس لي، وسفر بعيد ولا زاد لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ونار حامية ولا بدن لي, وجنّة عالية ولا نصيب لي، ورب عادل ولا حجة لي.
قل الحسن: فرجوت الله أن يوفقه، فأقبلت عليه، وقلت له: لم لا تسلم حتىتسلم؟ قال: ان المفتاح بيد الفتاح، والقفل هنا، وأشار الى صدره وغشي عليه.
قال الحسن: فقلت: الهي وسيدي ومولاي، ان كان سبق لهذا المجوسي عندك حسنة فعجل بها اليه قبل فراق روحه من الدنيا، وانقطاع الأمل.
فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، ثم أقبل وقال: يا شيخ، ان الفتاح أرسل المفتاح. أمدد يمناك، فأنا أشهد أن لا اله الا الله وأشهدأن محمدا رسول الله، ثم خرجت روحه وصار الى رحمة الله.
وأنشدوا:
يا ثقتي يا املي أنت الرجا أنت الولي
اختم بخير عملي وحقق التوبة لي
قبل حلول أجلي وكن لي يا ربّ ولي
اخواني، ما هذه السّنة وأنتم منتبهون؟ وما هذه الحيرة وأنتم تنظرون؟ وما هذه الغفلة وأنتم حاضرون؟ وما هذه السكرة وأنتم صاحون؟ وما هذا السكون وأنتم مطالبون؟ وما هذه الاقامة وأنتم راحلون؟ أما آن لأهل الرّقدة أن يستيقظوا؟ أما حان لأبناء الغفلة أن يتعظوا؟.
واعلم أن الناس كلهم في هذه الدنيا على سفر، فاعمل لنفسك ما يخلصها يوم البعث من سقر.
آن الرحيل فكن على حذر ما قد ترى يغني عن الحذر
لا تغترر باليوم أو بغد فلربّ نغرور على خطر
قال الجنيد: كان سري السقطي رضي الله عنه متصل الشغل، وكان اذا فاته شيء من ورده لا يقدر أن يعيده.
وكذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم يكن له وقت ينام فيه، فكان ينعس وهو جالس، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ألا تنام؟ فقال: كيف انام؟! ان نمت بالنهار، ضيّعت حقوق الناس، وان نمت بالليل ضيّعت حظي من الله.
وسمع الجنيد رضي الله عنه ما يقول: ما رأيت أعبد لله تعالى من سريّ السّقطي، أتت عليه ثمان وسبعون سنة ما رؤي قط مضطجعا الا في علته التي مات فيها.
قال الجنيد رضي الله عنه: سمعت السريّ السقطي رضي الله عنه يقول: لولا الجمعة والجماعة ما خرجت من بيتي، وللزمت بيتي حتى أموت.
قال أبو بكر الصيدلاني: سمعت سليمان بن عمار يقول: رأيت أبي في المنام فقلت له: ما فعل بك ربك؟ فقال: ان الرب قرّبني وادناني، وقال لي: يا شيخ السوء أتدري لم غفرت لك؟ فقلت: لا يا الهي. قال: انك جلست للناس يوما مجلسا فأبكيتهم، فبكى فيهم عبد من عبيدي لم يبك من خشيتي قط، فغفرت له ووهبت أهل المجلس كلهم له، ووهبتك فيمن وهبت له.
عن علي بن محمد بن ابراهيم الصفار، قال: حضرت أسود بن سالم ليلة وهو يقول هذين البيتين ويكررهما ويبكي:
أمامي موقف قدّام ربي يسألني وينكشف الغطا
وحسبي أن أمرّ على صراط كحد السيف أسفله لظى
قال: ثم صرخ صرخة، ولم يزل مغمى عليه حتى أصبح رضي الله عنه.
وكذلك يروى عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال: خرجت ذات ليلة الى مسجد الكوفة، فلما قربت من المسجد، فاذا في بعض رحابه شاب قد خرّ ساجدا وهو يخور بالبكاء، فلم أشك أنه ولي من أولياء الله تعالى؟، فقربت منه لأسمع ما يقول فسمعته يقول أبياتا:
عليك يا ذا الجلال معتمدي طوبى لمن كنت أنت مولاه
طوبى لمن بات خائفا وجلا يشكو الى ذي الجلال بلواه
وما به علة ولا سقم أكثر من حبّه لمولاه
اذا خلا في ظلام الليل مبتهلا أجابه الله ثم لبّاه
ومن ينل ذا من الاله فقد فاز بقرب تقرّ عيناه
فبقي يكرر هذه الأبيات ويبكي، وانا أبكي رحمة لبكاءه، فبينما أنا كذلك، لاح لي ضوء كالبرق الخاطف، فأسرعت بيدي الى عيني، فسمعت، فاذا بمناد ينادي من فوق رأسه بصوت عذب لذيذ لا يشبه كلام بني آدم، هو يقول:
لبيّك عبدي وأنت في منفي وكل ما قلت قد قبلناه
صوتك تشتاقه ملائكتي وحسبك الصوت قد سمعناه
ان هبت الريح من جوانبه خرّ صريعا لما تغشاه
ذاك عبدي يجول في حجبي وذنبك اليوم قد غفرناه
فقلت: مناجاة الحبيب مع حبيبه وربّ الكعبة، فخريّت مغشيا على وجهي لما أدركني من الهيبة، ثم أفقت من غشيتي وأنا أسمع ضجيج الملائكة في الهواء، وخفقان أجنحتهم بين السماء والأرض، خيّل اليّ أن السماء قد قربت من الأرض، ورأيت النور قد غلب على ضوء القمر، وكانت ليلة مقمرة ساطعة النور، فدنوت منه وسلمت عليه، فردّ عليّ السلام، فقلت له: بارك الله فيك، من أنت يرحمك الله؟ فقال لي: أنا راشد بن سليمان، فعرفته لما كنت أسمع عنه. فقلت له: رحمك الله، لو أذنت لي في صحبتك لآنس بك، فقال لي: هيهات هيهات، وهل يأنس بالمخلوقين من تلذذ بمناجاة رب العالمين، فانصرف عني وتركني رضي الله عنه. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 1:53 pm | |
| الفصل الثاني تماطلون بالعمل و تطمعون في بلوغ الأمل
اخواني، الى كم تماطلون بالعمل، و تطمعون في بلوغ الأمل، وتغترّون بفسحة المهل، ولا تذكرون هجوم الأجل؟ ما ولدتم فللتراب، وما بنيتم للخراب، وما جمعتم فللذهاب، وما عملتم ففي كتب مدّخر ليوم الحساب. وأنشدوا:
ولو أننا اذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حيّ
ولكنّا اذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شيء
يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا يغرّنّكم قول الله عز وجل:{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها} الأنعام 160، فان السيئة وان كانت واحدة، فانها تتبعها عشر خصال مذمومة:
أولها: اذا أذنب العبد ذنبا، فقد أسخط الله وهو قادر عليه.
والثانية: أنه فرّح ابليس لعنه الله.
والرابعة: أنه تقرّب من النار.
والخامسة: أنه قد آذى الحفظة.
والثامنة: أنه قد احزن النبي صلى الله عليه وسلم في قبره.
والتاسعة: أنه أشهد على نفسه السموات والأرض وجميع المخلوقات بالعصيان.
والعاشرة: أنه خان جميع الآدميين، وعصى رب العالمين.
ويروى عن ذي النون المصري رحمه الله تعالى أنه قال: خرجت أريد الحجاز ولم أصحب أحدا من الناس، فبينما أنا سائر، اذ وقعت في أرض صحراء، وقد نفذ زادي، فأشرفت على الهلاك، اذ لاحت لي شجرة في وسط الصحراء دانية الفروع، متدلية الأغصان، كثيرة الأوراق، فقلت في نفسي: أسير نحو هذه الشجرة، فأكون في ظلها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
فلما وصلت الى الشجرة، ودنوت منها، وأردت الدخول في ظلها، فأخذ غصن من أغصانها بركوتي، فانهرق الماء الذي كان بقي لي فيها أحيي به رمقي، فأيقنت بالهلاك، وطرحت نفسي في ظل الشجرة، وبقيت أنتظر ملك الموت ليقبض روحي، فاذا أنا بصوت حزين وهو يقول: الهي وسيدي ومولاي، ان كان هذا رضاك مني، فزد حتى ترضى عني يا أرحم الراحمين.
فقمت وجعلت أمشي نحو الصوت، فاذا أنا بشخص حسن الصورة، وهو ملقى على الرمل، والنسور قد أحدقت به تنهش من لحمه، فسلمت عليه فردّ السلام، وقال لي: يا ذا النون، لما نفذ الزاد، وانهرق الماء، أيقنت بالموت والفناء، فجلست عند رأسه، وجعلت أبكي رحمة لبكائه، وشفقة لما رأيت منه.
فبينما أنا كذلك، اذ انا بقصعة من الطعام وضعت بين يدي، فوكز الأرض بعرقوبه، فاذا بعين من الماء قد تفجرت، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فقال لي: يا ذا النون، كل واشرب، لا بد لك من الوصول الى بيت الله الحرام، ولكن يا ذا النون لي اليك حاجة، فان قضيتها فلك الأجر والثواب، فقلت: وما هي؟ قال: اذا انا مت، فاغسلني وادفني، واسترني من الوحش والطير، وسر فاذا قضيت الحج، فانك تصل الى مدينة بغداد، وتدخل من باب الزعفران، فانك تجد هنالك الصبيان يلعبون، وعليهم ألوان الثياب، فتجد هنالك شابا، صغير السن، ليس يشغله شيء عن ذكر الله تعالى، قد تحزّم بخرقة، وجعل على كتفيه أخرى، في وجهه خطان أسودان من آثار الدموع، فاذا وجدته فذلك ولدي وقرّة عيني، فأقرئه مني السلام.
قال ذا النون: فلما فرغ من كلامه، سمعته يقول: أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وشهق شهقة فارق الدنيا رحمة الله عليه، فقلت: انا لله وانا اليه راجعون، وكان معي قميص في وعائي لا أفارقه فغسلته من ذلك الماء، وكفنته وواريته التراب، وسرت الى بيت الله الحرام وقضيت مناسك الحج، وخرجت الى زيارة قبر رسول الله، فلما قضيت الزيارة، وسرت الى مدينة بغداد، فدخلتها في يوم عيد، فاذا انا الصبيان يلعبون وعليهم ألوان الثياب، فنظرت فرأيت الصبي الموصوف جالسا لا يشغله الموهوب عن علام الغيوب، وقد ظهرت على وجهه الأحزان، وفي وجهه خطان أسودان من آثار الدموع، وهو يقول:
الناس كلهم للعيد قد فرحوا وقد فرحت أنا بالواحد الصمد
الناس كلهم للعيد قد صبغوا وقد صبغت ثياب الذل والكمد
الناس كلهم للعيد قد غسلوا وقد غسلت أنا بالدمع للكبد
قال ذو النون: فسلمت عليه، فرد عليّ السلام، وقال: مرحبا برسول أتى من أبي، فقلت له: من أخبرك باني رسول أتيتك من أبيك؟ قال: الذي أخبرني أنك دفنته بالصحراء. يا ذا النون، أتزعم أنك دفنت أبي بالصحراء؟ والله ان أبي رفع الى سدرة المنتهى، ولكن سر معي الى جدتي.
فأخذ بيدي وسار معي الى منزله، فلما وصل الى الباب نقر نقرا خفيفا، فاذا بالعجوز قد خرجت الينا، فلما رأتني، قالت مرحبا بمن تمتع بالنظر في وجه حبيبي وقرّة عيني. قلت لها: من أخبرك بأنك رأيته؟ قالت: الذي أخبرني بأنك كفنته وأنّ الكفن مردود عليك. يا ذا النون، فوعزة ربي وجلاله، ان خرقة ابني يباهي الله بها الملائكة في الملأ الأعلى.
ثم قالت: يا ذا النون، صف لي كيف تركت ابني وقرة عيني وثمرة فؤادي؟ قلت لها: تركته في الفيافي والقفار بين الرمال والأحجار، وقد حظي بما أمل من العزيز الغفار.
فلما سمعت العجوز ذلك، ضمّت الصبي الى صدرها، وغابت عني، وحجبت عن نظري، فلا ادري: أفي السماء صعد بهما، أو في جوف الأرض هبط بهما، فصرت أطلبهما في أركان الدار، فما وجدتهما، فسمعت هاتفا يقول: يا ذا النون لا تتعب نفسك، فلقد طلبتهم الأملاك، فلم يجدوهم. فقلت: أين صاروا، فقال لي: ان الشهداء يموتون بسيوف المشركين، وهؤلاء المحبون يموتون بالشوق الى رب العالمين، فيحملون في مركب من نور في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قال ذا النون: فتفقدت الجراب، فوجدت الكفن الذي كفنته فيه مطويّا كما كان أولا، رضي الله عنه ونفعنا ببركاتهم. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 1:55 pm | |
| الفصل الثالث أيها المقيم على الخطايا والعصيان
أيها المقيم على الخطايا والعصيان، التارك لما امرك الرحمن، المطيع للغويّ الفتان، الى متى أنت على جرمك مصرّ، ومما يقرّبك الى مولاك تفرّ؟ تطلب من الدنيا ما لا تدركه، وتتقي من الآخرة ما لا تملكه، لا أنت بما قسم الله من الرزق واثق، ولا أنت بما أمرك به لاحق.
يا أخي، الموعظة، والله لا تنفعك، والحوادث لا تردعك. لا الدهر يدعك، ولا داعي الموت يسمعك، كأنك يا مسكين لم تزل حيا موجودا، كأنك لا تعود نسيا مفقودا.
فاز، والله، المخفون من الأوزار، وسلم المتقون من عذاب النار، وأنت مقيم على كسب الجرائم والأوزار.
وأنشدوا:
عيل صبري وحق لي أن أنوحا لم تدع لي الذنوب قلبا صحيحا
أخلقت مهجتي أكف المعاصي ونعاني المشيب نعيا صريحا
كلما قلت قد بري جرح قلبي عاد قلبي من الذنوب جريحا
انّما الفوز والنعيم لعبد جاء في الحشر آمنا مستريحا
اخواني، ارفضوا هذه الدنيا كما رفضها الصالحون، وأعدّوا الزاد لنقلة لا بدّ لها ان تكون، واعتبروا بما تدور به عليكم الأيام والسنون.
يا من غدا في الغيّ والتيه وغرّه طول تماديه
أملى لك الله فبارزته ولم تخف غبّ معاصيه
قال الجنيد رضي الله عنه: مرض السّريّ السّقطي رضي الله عنه فدخلت عليه أعوده، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال:
كيف أشكو الى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي
فأخذت المروحة لأروّح عليه، فقال: كيف يجد ريح المروحة من جوفه يحترق من داخل، ثم أنشأ يقول:
القلب محترق والدمع مستبق والكرب مجتمع والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له مما جناه الهوى والشوق والقلق
يا ربّ ان كان شيء فيه لي فرج فامنن عليّ به ما دام بي رمق
ويروى عن علي بن الموفق رضي الله عنه أنه قال: خرجت يوما لأؤذن، فأصبت قرطاسا، فأخذته ووضعته في كمي، وأقمت الصلاة وصليت، فلما صليت قرأته، فاذا مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن الموفق، أتخاف الفقر وأنا ربك؟.
ويروى عن المزني، قال: دخلت على الشافعي رضي الله عنه في علته التي مات منها، فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت في الدنيا راحلا، وللاخوان مفارقا، ولكأس المنيّة شاربا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا، فلا أدري: أروحي تصير الى الجنة فأهنيها، أم الى النار فأعزيها؟ ثم بكى وأنشأ يقول:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ا عفو من الذنب ولم تزل تجود وتعفو منّة وتكرّما
فلولاك لم ينجو من ابليس عابد وكيف وقد أغوى صفيّك آدما
اخواني: بادروا بالتوبة من الذنوب، واقتفوا آثار التوّابين، واسلكوا مسالك الأوّابين، الذين نالوا التوبة والغفران، وأتعبوا أنفسهم في رضا الرحمن، فلو رأيتهم في ظلم الليالي قائمين، ولكتاب ربهم تالين، بنفوس خائفة، وقلوب واجفة، قد وضعوا جباههم على الثرى ورفعوا حوائجهم لمن يرى ولا يرى:
وأنشدوا:
ألا قف ببابي عند قرع النوائب وثق بي تجدني خير خلّ وصاحب
ولا تلتفت غيري فتصبح نادما ومن يلتفت غيري يعش خائب
كان أبو محفوظ معروف الكرخي قد خصّه الله بالاجتباء في حال الصبا، يذكر أن أخاه عيسى قال: كنت أنا وأخي معروف في المكتب، وكنا نصارى، وكان المعلم يعلم الصبيان: " أب" و " ابن" فيصيح أخي معروف:" أحد أحد" فيضربه المعلم على ذلك ضربا شديدا، حتى ضربه يوما ضربا عظيما، فهرب على وجهه.
وكانت أمه تبكي وتقول: لئن ردّ الله عليّ معروفا، لأتبعنّه على أي دين كان، فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة، فقالت له: يا بنيّ، على أي دين أنت؟ قال: على دين الاسلام، فقالت: أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فأسلمت أمي وأسلمنا كلنا.
وقال أحمد بن الفتح: رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان بين يديه مائدة وهو يأكل منها، فقلت: يا أبا نصر, ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي، وأباح لي الجنة بأسرها، وقال لي: كل من جميع ثمارها، واشرب من أنهارها، وتمتع بجميع ما فيها، كما كنت تحرم نفسك عن الشهوات في دار الدنيا.
فقلت له: فأين أخوك أحمد بن حنبل؟ فقال: هو قائم على باب الجنة يشفع لأهل السنة ممن يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق.
فقلت له: وما فعل الله بمعروف الكرخي؟ فحرّك رأسه، وقال هيهات هيهات! حالت بيننا وبينه الحجب. ان معروفا لم يعبد الله شوقا الى جنّته، ولا خوفا من ناره، وانما عبده شوقا اليه، فرفعه الى الرفيق الأعلى، ورفع الحجاب بينه وبينه.
ذلك الترياق المقدس المجرّب، فمن كانت له الى الله حاجة، فليأت قبره، وليدع، فانه يستجاب له ان شاء الله تعالى. " التبرك بقبور الأولياء هو من الشرك، والتوسل المشروع التوسل بأسماء الله وصفاته ودعاء الرجل الصالح". | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 1:58 pm | |
| الفصل الرابع يا اخوان الغفلة تيقظوا
يا اخوان الغفلة تيقظوا، يا مقيمين على الذنوب انتهوا واتعظوا، فبالله أخبروني: من أسوأ حالا ممن استعبده هواه، أم من أخسر صفقة ممن باع آخرته بدنياه، فما للغفلة قد شملت قلوبكم؟ وما للجهالة قد ترت عنكم عيوبكم؟ أما ترون صوارم الموت بينكم لامعة، وقوارعه بكم واقعة، وطلائعه عليكم طالعة، وفجائعه لعذركم قاطعة، وسهامه فيكم نافذة، وأحكامة بنواصيكم آخذة؟ فحتى م؟ والى م؟ وعلام التخلف والمقام؟ أتطمعون في بقاء الأبد؟ كلا والواحد والصمد. ان الموت لبالرّصد، ولا يبقي على والد ولا ولد، فجدّوا، رحمكم الله، في خدمة مولاكم، وأقلعوا عن الذنوب، فلعله يتولاكم.
يروى عن محمد بن قدامة، قال: لقي بشر بن الحارث رجلا سكران، فجعل السكران يقبله، ويقول: يا سيدي أبا نصر، ولا يدفعه بشر عن نفسه، فلما تولى تغرغرت عينا بشر بالدموع، وقال: رجل أحبّ رجلا على خير توهّمه فيه، ولعل المحبّ قد نجا والمحبوب لا يدري ما حاله.
فوقف على أصحاب الفاكهة، فجعل ينظر، فقلت: يا أبا نصر، لعلك تشتهي من هذا شيئا؟ قال: ل، ولكن نظرت في هذا؛ اذا كان يطعم هذا لمن يعصيه، فكيف من يطيعه ماذا يطعمه في الجنة ويسقيه؟!..
اخواني: ما للغافل الى كم ينام؟ أما توقظ الليالي والأيام؟ أين سكان القصور والخيام؟ دار، والله، عليهم كأس الحمام، فالتقطهم الموت كما يلتقط الحبّ الحمام. ما لمخلوق فيها دوام، طويت الصحف وجفت الأقلام.
وأنشدوا:
دعوني على نفسي أنوح وأندب بدمع غزير واكف يتصبب
دعوني على نفسي أنوح لأنني أخاف على نفسي الضعيفة تعطب
فمن لي اذا نادى المنادي بمن عصا الى أين ألجأ أم الى أين أذهب
فيا طول حزني ثم يا طول حسرتي اذا كنت في نار الجحيم أعذب
وقد ظهرت تلك القبائح كلها وقد قرّب الميزان والنار تلهب
ولكنني أرجو الاله لعله يحسن رجائي فيه لي يتوهب
ويدخلني دار الجنان بفضله فلا عمل أرجو به أتقرّب
سوى حب طه الهاشمي محمد وأصحابه والآل من قد ترهبوا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يؤتى برجل يوم القيامة قد جمع المال من حلال وأنفقه في الحلال، فيقال له: قف للحساب، فيحاسب على كل حبة وذرة ودانق: من أين أخذه وفيما أنفقه" ثم قال صلى الله عليه وسلم:" يا ابن آدم، ما تصنع بالدنيا؟ حلالها حساب، وحرامها عقاب".
وأنشدوا:
فلا تأمن لذي الدنيا صلاحا فان صلاحها عين الفساد
ولا تفرح لمال تقتنيه فانك فيه معكوس المراد
قال بعض العارفين رضي الله عنه: ان أبا يزيد البسطامي بكى عند موته، ثم ضحك، ثم فارق الدنيا، فرؤي في المنام بعد موته، فقيل له: لم بكيت قبل الموت ثم ضحكت؟ فقال: لما كنت في النزع، أتاني ابليس لعنة الله عليه، وقال لي: يا أبا يزيد، أفلتّ من شبكتي، فبكيت حينئذ الى الله تعالى، فنزل عليّ ملك من السماء، وقال لي: يا أبا يزيد، يقول لك رب العزة: لا تخف ولا تحزن، وأبشر بالجنة، فضحكت عند ذلك، وفارقت الدنيا.
وأنشدوا:
وقفت وأجفاني تفيض دموعها وقلبي من خوف القطيعة هائم
وكل مسيء أوبقته ذنوبه ذليل حزين مطرق الطرف نادم
فيا رب ذنبي تعاظم قدره وأنت بما أشكو يا رب عالم
وأنت رؤوف بالعباد مهيمن حليم كريم واسع العفو راحم
يا أخي كم من يوم قطعته بالتسويف؟ وكم من سبب أضعت فيه التكليف، وكم أذن سمّاعة لا يزجرها التخويف؟.
ولما حضرت جابر بن زيد الوفاة قيل: ما تشتهي؟ قال: نظرة في وجه الحسن فبلغ ذلك الحسن، فجاء ودخل عليه، وقال له: يا جابر كيف تجدك؟ قال: أجد أمر الله غير مردود. يا أبا سعيد، حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الحسن: يا جابر قال رسول الله صلى لله عليه وسلم:" المؤمن من الله على سبيل خير، ان تاب قبله، وان استقال أقاله، وان اعتذر اليه قبل اعتذاره، وعلامة قبل ذلك خروج روحه يجد بردا على قلبه". فقال جابر: الله أكبر! اني لأجد بردا على قلبي. ثم قال: اللهم ان نفسي تطمع في ثوابك، فحقق ظني، وآمن خوفي وجزعي، ثم تشهّد ومات رضي الله عنه.
وكان سبب توبة داود الطائي أنه دخل المقبرة، فسمع امرأة عند قبر تبكي وتقول:
تزيد بلى في كل يوم وليلة وتسأل لما تبلى وأنت حبيب
مقيم الى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجى وأنت قريب | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:00 pm | |
| الفصل الخامس قيّدوا هذه النفوس بزمام
اخواني: قيّدوا هذه النفوس بزمام، وازجروا، هذه القلوب عن الآثام، واقرؤوا صحف العبر بألسنة الأفهام. يا من أجله خلفه وأمله قدّام، يا مقتحما على الجرائم أيّ اقتحام، انتبهوا يا نوّام، كم ضيّعتم من أعوام، الدنيا كلها منام، وأحلى ما فيها أضغاث أحلام، غير أن عقل الشيخ فيها الغلام، فكل من قهر نفسه فهو الهمام. هذه الغفلة قد تناهت، والمصائب قد تدانت، فانّا لله وانا اليه راجعون، والسلام.
مرّ عيسى عليه السلام على قرية، فوجد كل من فيها أمواتا، وهم مطروحون على وجوههم في الأزقّة، فتعجّب عيسى عليه السلام من ذلك، وقال: يا معشر الحواريين، ان هؤلاء القوم قد ماتوا على سخط وغضب، ولو ماتوا على رضا من الله، لدفن بعضهم بعضا. فقالوا: يا روح الله، وددنا أن نعرف قضيّتهم وخبرهم. قال: فسأل الله عز وجل في ذلك، فأوحى الله اليه: اذا كان الليل نادهم، فانهم يجيبونك.
فلما كان من الليل، صعد عيسى على شرف ونادى: يا أهل القرية، فأجابه مجيب من بينهم: لبيّك يا روح الله، فقال: ما قضيتكم, وما خبلاكم؟ فقال: يا روح الله، بتنا في عافية، وأصبحنا في هاوية. قال: ولم ذلك؟ قال: لحبنا في الدنيا، وطاعة لأهل المعاصي، ولم نأمر بالمعروف، ولم ننه عن المنكر. فقال له عيسى عليه السلام: كيف كان حبكم للدنيا؟ قال: كحبّ الصبي لأمه؛ اذا أقبلت فرحنا، واذا أدبرت حزنّا وبكينا. فقال له عيسى عليه السلام: يا هذا: ما بال أصحابك لم يجيبوني؟ قال: انهم ملجمون بلجام من النار بأيدي ملائكة غلاظ شداد. قال: وكيف أجبتني أنت من بينهم؟ قال: اني كنت فيهم، ولم أكن منهم، فلما نزل بهم العذاب لحقني معهم، فأنا الآن معلّق على شفير جهنّم، لا أدري: أنجو منها، أم أكبّ فيها.
أعاذنا الله منها.
يا من يسير بعمره وقد تعدّى الحدود، ابك على معصيتك فلعلك مطرود. يا من عمره ينتهب وليس الماضي يعود، قد أسمعتك المواعظ من ارشادها نصحا، وأخبرك الشيب أنك بالموت تقصد وتنحّا، وناداك لسان الاعتبار:{ يا أيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا} الانشقاق 6.
وأنشدوا:
لما انقضى زمن التواصل والرضا قد صرت تطلب ردّ أمر قد مضى
هلا أتيت ووقت وصلك ممكن وبياض شيبك في العوارض ما أضا
يا أخي: هذا أوان الرجوع والاستغفار والاقلاع عن الذنوب والأوزار. " من بلغ أربعين سنة ولم يغلب خيره على شره، فليتجهز الى النار".
وأنشدوا:
أتيتك راجيا يا ذا الجلال ففرّج ما ترى من سوء حالي
عصيتك سيّدي ويلي بجهلي وعيب الذنب لم يخطر ببالي
الى من يشتكي المملوك الا الى مولاه يا مولى الموالي
فويلي لم أمي لم تلدني ولا أعصيك في ظلم الليالي
وها أنا ذا عبيدك عبد سوء ببابك واقف يا ذا الجلال
فان عاقبت يا ربي فاني محق بالعذاب وبالنكال
وان تعفو فعفوك أرتجيه ويحسن ان عفوت قبيح حالي
يقول الله عز وجل: يا عبادي، أما علمتم أني جعلت الدنيا دار تكليف وامتحان، وأني لا أخص بمنازل الفضل والاحسان الا من تاب اليّ فيها عن مواطن الزلات والعصيان، فما لكم ما أتيتم لبابي، ولا رغبتم في جزيل فضلي وثوابي، ولا خفتم من أخذي وعقابي؟.
فيا من جلّت غفلته، وطالت سكرته، تأمّل عطف الموالي عليك، واحسانه اليك. فبالله عليكم، حطّوا بالتوبة عن ظهوركم، واغسلوا وجوهكم بقطرات الدموع، واشتملوا بأردية التذلل والخضوع.
وأنشدوا:
ركبت مآثمي فلقيت ذلا وسالت عبرتي طلا ووبلا
وصرت أعاتب القلب المبلا الى من يشتكي المملوك الا
الى مولاه با مولى الموالي فلطفك بي اله العرش أولى | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:02 pm | |
| الفصل السادس انتبهوا من غفلتكم
اخواني، انتبهوا من غفلتكم، فنوم الغفلة ثقيل، وشمّروا لآخرتكم، فانما الدنيا منزل، وفي طريقها مقيل.
جاء في بعض الأخبار، أن الله تعالى أوحى الى بعض أنبيائه عليهم السلام: يا نبيي، شتان بين من عصاني وخالف أمري، وبين من قطع عمره في معاملتي وذكري ولزوم الوقوف ببابي، ومرّغ خده على أعتابي، فيا خجلة الخاطئين، ويا ندامة البطالين.
وأنشدوا:
اخلوا بنفسك ان أردت تقرّبا ودع الأنام بمعزل يا عاني
واعمل على قطع العلائق جملة في العيش في خرق الحجاب الفاني
وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه:" يا أصحابي، أتدرون من المفلس؟" قالوا: يا رسول الله، المفلس عندنا من ليس له دينار ولا درهم. فقال لهم:" ليس هو ذلك، انما المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وصدقة، ثم يأتي وقد شتم هذا، ولطم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا كذلك، حتى تفنى حسناته قبل أن يؤدي ما عليه، فتؤخذ خطاياهم، فتحمل على خطاياه، ويقذف به في النار، فهذا هو المفلس". نعوذ بالله من الحرمان.
قال بعض الصالحين رضي الله عنهم: أتيت ابراهيم بن أدهم لأزوره، فطلبته في المسجد، فلم أجده، فقيل لي: انه خرج الآن من المسجد، فخرجت في طلبه، فوجدته في بطن واد نائما في زمان الحر، وحيّة عظيمة عند رأسه، وفي فم الحيّة غصن من الياسمين، وهي تشرّد عنه الذباب، فبقيت متعجبا من ذلك، واذا بالحية قد أنطقها الله الذي أنطق كل شيء، فقالت لي: مم تتعجب أيها الرجل؟ فقلت لها، من فعلك هذا, وأكثر تعجبي من كلامك وأنت عدوة لبني آدم. فقالت لي: والله العظيم، ما جعلنا الله أعداء الا للعاصين، وأما أهل طاعته، فنحن لهم منقادون.
وأنشدوا:
فعالي قبيح وظني حسن وربي غفور كثير المنن
تبارز مولاك يا من عصى وتخشى من الجار لما فطن
ركبت المعاصي وشيبي معي فوالله يا نفس ما ذا حسن
فقومي الدياجي له وارغبي وقولي له يا عظيم المنن
وقولي له يا عظيم الرجا اذا أنت لم تعف عني فمن
بحقّ النبي هو المصطفى بحق الحسين بحق الحسن
أيدفع مثلي الى مالك وتعلم أني ضعيف البدن
جلس الحسن البصري ذات يوم يعظ الناس، فجعلوا يزدحمون عليه ليقربوا منه، فأقبل عليهم، وقال: يا اخواتاه، تزدحمون عليّ لتقربوا مني؟ فكيف بكم غدا في القيامة اذا قرّبت مجالس المتقين، وأبعدت مجالس الظالمين، وقيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا؟ فيا ليت شعري: أمع المثقلين أحط، أم مع المخفين أجوز؟ ثم بكى حتى غشي عليه، وبكى من حوله، فاقبل عليهم وناداهم، يا اخوتاه، ألا تبكون خوفا من النار؟ ألا من بكى خوفا من النار نجاه الله منها يوم يجرّ الخلائق بالسلاسل والأغلال.يا اخوتاه، ألا تبكون شوقا الى الله. ألاوان من بكى شوقا الى الله، لم يحرم من النظر غدا الى الله اذا تجلى بالرحمة، واطّلع بالمغفرة، واشتدّ غضبه على العاصين.
يا اخوتاه، ألا تبكون من عطش يوم القيامة؟ يوم يحشر الخلائق وقد ذبلت شفاههم، ولم يجدوا ماء الا حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيشرب قوم، ويمنع آخرون. ألا وانّ من بكى من خوف عطش ذلك اليوم سقاه الله من عيون الفردوس.
قال: ثم نادى الحسن رضي الله عنه: واذلاه اذا لم يرو عطشي يوم القيامة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بكى وجعل يقول: والله لقد مررت ذات يوم بامرأة من المتعبدات، وهي تقول: الهي، قد سئمت الحياة شوقا ورجاء فيك. فقلت لها: يا هذه، أتراك على يقين من عملك؟ فقالت: حبي فيه وحرصي على لقائه بسطني. أتراه يعذبني وأنا أحب؟.
فبينما أنا كذلك أخاطبها، اذ مرّ بي صبيّ صغير من بعض أهلي، فأخذته في ذراعي، وضممته الى صدري، ثم قبلته. فقالت لي: أتحب هذا الصبي؟ قلت: نعم. قال: فبكت، وقالت: لو يعلم الله الخلائق ما يستقبلون غدا، ما قرّت أعينهم، ولا التذّت قلوبهم بشيء من الدنيا أبدا.
قال: فبينما أنا كذلك، اذ أقبل لها ولد يقال له:" ضيغم"، فقالت: يا ضيغم، أتراني أراك غدا يوم القيامة في المحشر أو يحال بيني وبينك؟ قال: فصاح الصبي صيحة ظننت أنه قد انشق قلبه، ثم خرّ مغشيّا عليه، فجعلت تبكي عليه، وبكيت لبكائها.
فلما أفاق من غشيته، قالت له: يا ضيغم، قال لها لبيك يا أماه. قالت: أتحب الموت؟ قال: نعم. قالت: ولم يا بنيّ؟ قال لها: لأصير الى ما هو خير منك، وهو أرحم الراحمين، الى من غذاني في ظلمة أحشائك، وأخرجني من أضيق المسالك، ولو شاء لأماتني عند الخروج من ضيق ذلك المسلك حتى تموتي أنت من شدة أوجاعك، لكنه برحمته ولطفه، سهّل ذلك عليّ وعليك. أما سمعتيه عز وجل يقول:{ نبئ عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم وأنّ عذابي هو العذاب الأليم} الحجر 49ـ50. وجعل يبكي وينادي: أواه أواه، ان لم أنج غدا من عذاب الله، ولم يزل يبكي حتى غشي عليه، وسقط على الأرض، فدنت منه أمه، فلمسته بيدها، فاذا هو ميّت رحمه الله. فجعلت تبكي وتقول: يا ضيغماه، يا قتيلا في حبّ مولاه. ولم تزل كذلك حتى صاحت صيحة عظيمة، ووقعت في الأرض، قال: فحرّكتها، فاذا هي قد ماتت. رحمة الله عليه وعليها، ورحمنا الله بهما. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:05 pm | |
| الفصل السابع الدنيا سموم قاتلة والنفوس عن مكائدها غافلة
اخواني، الدنيا سموم قاتلة، والنفوس عن مكائدها غافلة، كم من نظرة تحلو في العاجلة، ومرارتها لا تطاق في العاقبة الآجلة. يا ابن آدم، قلبك قلب ضعيف، ورأيك في اطلاق الطرف وأى " وهم" سخيف. عينك مطلوقة، ولسانك يجني الآثام، وجسدك يتعب في كسب الحطام، كم من نظرة محتقرة زلت بها الأقدام.
عاتبت قلبي لما رأيت جسمي نحيلا
فلام قلبي طرفي وقال كنت الرسولا
فقال طرفي لقلبي بل كنت أنت الدليلا
فقلت كفا جميعا تركتماني قتيلا
كان عيسى عليه السلام يقول: النظرة تزرع في القلب الشهوة.
وقال الحسن: من أطلق طرفه، كثر ألمه.
قال ابراهيم بن العباس بن محمد بن صول:
ومن كان يؤتى من عدو وحاسد فاني من عيني أوتى ومن قلبي
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسلسل دما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" ما بالك؟" فقال: مرّت بي امرأة، فنظرت اليها، فلم يزل يتبعها بصري، فاستبقني جدار فضربني، فصنع بي ما ترى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" ان الله اذا أراد بعبد خيرا، عجّل له عقوبته في الدنيا" راه الحاكم في المستدرك.
قال أبو بعقوب النهرجوري: رأيت في الطواف رجلا بفرد عين، وهو يقول في طوافه: أعوذ بك منك، فقلت له: ما هذا الدعاء، فقال: اني مجاور منذ خمسين سنة، فنظرت الى شخص يوما فاستحسنته، واذا بلطمة قد وقعت على عيني، فسالت على خدي، فقلت: آه، فوقعت أخرى، وقائل يقول: لوزدت لزدناك.
دعوني أناجي مولى جليلا اذا الليل أرخى على السدولا
نظرت اليك بقلب ذليل لأرجو به يا الهي القبولا
لك الحمد والمجد والكبرياء وأنت الاله الذي لن يزولا
وأنت الاله الذي لم يزل حميدا كريما عظيما جليلا
تميت الأنام وتحيي العظام وتنشى الخلائق جيلا فجيلا
عظيم الجلال كريم الفعال جزيل النوال تنيل السؤولا
حبيب القلوب غفور الذنوب تواري العيوب تقيل الجهولا
وتعطي الجزيل وتولي الجميل وتأخذ من ذا وذاك القليلا
خزائن جودك لا تنقضي تعمّ الجواد بها والبخيلا
قال بعض العارفين: خرجنا من أرض العراق نريد مكة ومدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكنا في رفقة كثيرة من الناس، فاذا نحن برجل من أهل العراق، وقد خرج معنا رجل به أدمة في شقرة وهو مصفرّ اللون، قد ذهب الدم من وجهه مما بلغت فيه العبادة، وعليه ثياب خلقة من رقاع شتى، وبيده عصا ومعه مزود فيه شيء من الزاد.
قال: وكان ذلك الرجل العابد الزاهد أويسا القرني، فلما نظر اليه أهل القافلة على تلك الحالة، أنكروه، وقالوا له: نظن أنك عبد. قال: نعم. قالوا: نظن أنك عبد سوء هربت من مولاك. قال لهم: نعم. قالوا: كيف رأيت نفسك حين هربت من مولاك، وما صار حالك ايه؟ أما انك لو أقمت عنده، ما كانت هذه حالتك، وانما أنت عبد سوء مقصّر. فقال لهم: نعم والله، أنا عبد سوء، ونعم المولى مولاي، ومن قبلي التقصير، ولو أطعته وطلبت رضاه، ما كان من أمري هذا، وجعل يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق.
قال: فرحمه القوم، وظنوا أنه يعني مولى من موالي الدنيا، وهو ما كان يريد بذلك الا رب العزة.
فقال له رجل من أهل القافلة: لا تخف، أنا آخذ لك من مولاك الأمان، فارجع اليه وتب. فقال: اني راجع اليه، وراغب فيما لديه.
قال: وكان خرج زائرا الى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسارت القافلة ذلك اليوم، وسار معهم، وجدّوا في السير، فلما كان في الليل نزلوا في فلاة من الأرض، وكانت ليلة شاتية باردة كثيرة المطر. قال: وقد كان آلى على نفسه ألا يسأل من أمور الدنيا لمخلوق، وانما تكون حوائجه الى الله سبحانه وتعالى، فبلغ به البرد تلك الليلة مبلغا شديدا، حتى اضطربت جوارحه من شدة البرد، واشتد عليه سلطان البرد حتى مات في جوف الليل.
فلما أصبحوا وأرادوا الرحيل نادوه: قم أيها الرجل، فان الناس قد رحلوا، فلم يجبهم، فأتاه رجل قريب منه، فحرّكه فوجده ميتا رحمه الله، فنادى: يا أهل القافلة، ان العبد الهارب من سيده قد مات، ولا ينبغي لكم الرحيل حتى تدفنوه. قالوا: وما الحيلة في أمره؟.
فقال لهم رجل صالح كان معهم: ان هذا العبد كان عبدا تائبا راجعا الى مولاه نادما على ما صنع، ونحن نرجو أن ينفعنا الله به، وقد قبل توبته، ونخاف أن نسأل عنه ان تركناه غير مدفون، ولا بدّ لكم أن تصبروا حتى تحفروا له قبرا وتدفنوه فيه.
فقالوا: هذا موضع ليس فيه ماء، فقال بعضهم لبعض: اسألوا الدليل، فسألوه، فقال: ان بينكم وبين الماء ساعة، ولكن أرسلوا معي واحدا وأنا آتيكم بالماء.
فأخذ الدليل دلوا، وساروا الى الماء، فلما خرج من القافلة، اذا هو بغدير من الماء، فقال الدليل: هذا هو العجب الذي لم أر مثله هذا موضع ليس فيه ماء، ولا على قرب منه!.
فرجع اليهم، وقال لهم: قد كفيتم المؤنة. عليكم بالحطب، فجمعوه ليسخنوا به الماء من شدة البرد، ثم أتوا الى الماء ليأخذوه، فوجوده ساخنا يغلي، فازدادوا تعجبا، وفزعوا من ذلك الرجل، وقالوا ان لهذا العبد قصة وشأنا.
قال: فأخذوا في حفر قبره، فوجدوا التراب ألين من الزبد، والأرض تفوح مثل المسك الاذفر، وملؤا رعبا وفزعا، وكانوا اذا نظروا الى التراب الذي يخرج من القبر، وجدوه صفة التراب، واذا شمّوه، وجدوا رائحة كرائحة المسك.
فضربوا له خباء وأدخلوه فيه، وتنافسوا في كفنه، فقال رجل من القوم: أنا أكفنه، وقال آخر، أنا أكفنه. فاتفق رأيهم على أن يجعل كل واحد منهم ثوبا.
ثم انهم أخذوا دواة وقرطاسا، وكتبوا صفته وعته، وقالوا: اذا وصلنا، ان شاء الله، المدينة، فلعل من يعرفه، وجعلوا الكتاب في أوعيتهم.
فلما غسّلوه، وأرادوا أن يكفنوه، كشفوا الثوب الذي كان عليه، فوجدوه مكفنا بكفن من الجنة، لم ير الراؤون مثله، ووجدوا على كفنه مسكا وعنبرا، وقد ملأت رائحة حنوطه الدنيا، وعلى جبينه خاتم من المسك، وعلى قدميه كذلك.
فقالوا: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. ان الله عز وجل قد كفّنه وأغناه عن أكفان العباد، ونرجو الله تعالى أنه قد أوجب لنا الجنة ورحمنا بهذا العبد الصالح، وندموا ندامة شديدة على تركه تلك الليلة حتى مات بالبرد.
ثم انهم حملوه ليدفنوه، ووضعوه في بقعة سهلة ليصلّوا عليه، فلما كبّروا، سمعوا أصوات التكبير من السماء الى الأرض، ومن المشرق الى المغرب وانخلعت أفئدتهم وأبصارهم، ولم يدروا كيف صلوا عليه من شدة الجزع، وعظم رعبهم مما سمعوا فوق رؤوسهم، فحملوه يريدون قبره، فكأنه يخطف من بينهم ولا يجدون له ثقلا، حتى أتوا به الى القبر ليدفنوه، فدفنوه، ورجع القوم وقد تعجبوا من أمره.
فلما قضوا سفرهم، وأتوا الى مسجد الكوفة، وأخبروا بخبره، وما كان من صفته، فعند ذلك عرفه الناس، وارتفعت الأصوات بالبكاء في مسجد الكوفة، ولولا ذلك ما عرف أحد بموته، ولا بمكان قبره، لاختفائه عن الناس وهروبه منهم رضي الله عنه، ونفعنا ببركاته. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:09 pm | |
| الفصل الثامن أصلحوا من أعمالكم ما فسد
اخواني، الى كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغير مهلة؟ فبالله عليكم، تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد، وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم على رصد، فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم تلعبون بالأجل وبين أيديكم يوم الحساب. آه من ثقل الحمل.. آه من قلة الزاد وبعد الطريق.
فيا أيها المغرور باقباله، المفتون بكواذب آماله، الذي غاب عن الصواب، وهو في فعله كذاب.
يا بطال، الى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير بمعذور؟ الى متى يقال عنك: مفتون ومغرور؟ يا مسكين، قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور؟ أترى مقبول أنت أم مطرود؟ أترى مواصل أنت أم مهجور؟ أترى تركب النجب غدا أم أنت على وجهك مجرور؟ أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب النعيم والقصور. فاز، والله، المخفون، وخسر هنالك البمبطلون، ألا الى الله تصير الأمور.
وأنشدوا:
مالي أراك على الذنوب مواظبا أأخذت من سوء الحساب أمانا
لا تغفلن كأن يومك قد أتى ولعل عمرك قد دنا أو حانا
ومضى الحبيب لحفر قبره مسرعا وأتى الصديق فأنذر الجيرانا
وأتو بغسّال وجاؤوا نحوه وبدا بغسلك ميتا عريانا
فغسلت ثم كسيت ثوبا للبلى ودعوا لحمل شريرك الاخوانا
وأتاك أهلك للوداع فودّعوا وجرت عليك دموعهم غدرانا
فخف الاله فانه من خافه سكن الجنان مجاورا رضوانا
جنات عدن لا يبيد نعيمها أبدا يخالط روحه ريحانا
ولمن عصا نار يقال لها لظى تشوى الوجوه وتحرق الأبدانا
نبكي وحق لنا البكاء يا قومنا كي لا يؤاخذنا بما قد كانا
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" اذا كان ابن آدم في سياق الموت، بعث الله اليه خمسة من الملائكة:
أما الملك الأول، فيأتيه وروحه في الحلقوم، فيناديه: يا ابن آدم، أين بدنك القوي؟ ما أضعفه اليوم؟ أين لسانك الفصيح؟ ما أسكته اليوم؟ أين أهلك وقرابتك؟ ما أوحشك منهم اليوم!.
ويأتيه الملك الثاني اذا قبض روحه، ونشر عليه الكفن، فيناديه: يا ابن آدم، أين ما أعددت من الغنى للفقر؟ أين ما أعددت من الخراب للعمران؟ أين ما أعددت من الأنس للوحشة؟.
ويأتيه الملك الثالث اذا حمل على الأعناق، فيناديه: يا ابن آدم، اليوم تسافر سفرا بعيدا لم تسافر سفرا أبعد منه، اليوم تزور قوما لم تزورهم قبل هذا قط، اليوم تدخل مدخلا ضيقا لم تدخل أضيق منه، فطوبى لك ان فزت برضوان الله، وويل لك ان رجعت بسخط الله.
ويأتيه الملك الرابع اذا ألحد في قبره فيناديه: يا ابن آدم، بالأمس كنت على ظهرها ماشيا، واليوم صرت في بطنها مضطجعا. بالأمس كنت على ظهرها ضاحكا، واليوم أصبحت في بطنها باكيا. بالأمس كنت على ظهرها مذنبا، واليوم أمسيت في بطنها نادما.
ويأتيه الملك الخامس اذا سويّ عليه التراب، وانصرف عنه الأهل والجيران والأصحاب، فيناديه: يا ابن آدم، دفنوك وتركوك، ولو أقاموا عندك ما نفعوك. جمعت المال وتركته لغيرك. اليوم تصير اما لجنة عالية، أو الى نار حامية".
ويروى عن بعض المتعبدين أنه قال: الهي عصيتك قويا، وأطعتك ضعيفا، وأسخطتك جلدا، وخدمتك نحيفا، فيا ليت شعري، هل قبلتني على لؤمي، أم صرفتني على جرمي؟ قال: ثم غشي عليه ووقع على الأرض وانسلخت جبهته.
فقامت اليه أمه، وقبّلته بين عينيه، ومسحت جبهته وهي تبكي وتقول: قرّة عيني في الدنيا، وثمرة فؤادي في الآخرة، كلم عجوزك الثكلى، وردّ جواب أمك الحريّ.
قال: فأفاق الفتى من غشيته، ويده قابضة على كبده، وروحه تتردد في جسده، ودموعه تنسكب على خده ولحيته، فقال لها: يا أماه، هذا اليوم الذي كنت تحذريني منه، وهذا هو المصرع الذي كنت تخوّفيني منه، هذا مصرع الأهوال، وسقوط عثرة الأثقال، فيا أسفا على الأيام الخالية، ويا جزعي من الأيام الطوال التي لم أعرّج فيها على الاقبال.
يا أماه أنا خائف على نفسي أن يطول في النار سجني وحبسي. يا حزناه ان رميت فيها على رأسي، ويا أسفاه ان قطعت فيها أنفاسي.
يا أماه، افعلي ما أقول لك.
فقالت له: يا بنيّ، فدتك نفسي، ماذا تريد؟.
قال لها: ضعي خدي على التراب، وطئيه بقدمك حتى أذوق طعم الذل في الدنيا، والتلذذ للسيّد المولى، عسى أن يرحمني وينجيني من نار لظى. قالت أمه: فقمت اليه في الحال، وقد ألصق خده بالتراب، والدموع تجري من عينيه كالميزاب، فوطئت خده بقدمي، فاذا هو ينادي بصوت ضعيف: هذا جزاء من أذنب وعصى، وهذا جزاء من أخطأ وأسا، هذا جزاء من لم يقف بباب المولى، هذا جزاء من لم يراقب العلي الأعلى.
قالت: ثم تحوّل الى القبلة، وقال: لبيّك لبيّك، لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين.
قال: ثم مات في مكانه، فرأته أمه في المنام كأن وجهه فلقة قمر تجلى من سحاب، فقالت له: يا بنيّ، ما فعل بك مولاك؟ قال: رفع درجتي، وقرّبني من محمد صلى الله عليه وسلم، فقالت له أمه: يا بنيّ، ما الذي سمعت منك تقوله عند وفاتك؟ فقال لها: يا أماه، هتف بي هاتف وقال لي: يا عمران، أجب داعي الله، فأجبته، ولبيّت ربي عز وجل. رحمه الله تعالى. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:11 pm | |
| الفصل التاسع نتقلب في ستة أسفار
اخواني، السفر مكتوب علينا، فما لنا أن نطلب الاقامة في دار ليست لنا دار مقامة؟ السنون منازل، والشهور مراحل، والأيام أميال، والأنفاس خطوات، والمعاصي قطاع، والربح الجنة، والخسران النار.
خلقنا نتقلب في ستة أسفار الى أن يستقر بنا القرار: فالسفر الأول: سفر السلابة من طين، والثاني من الصلب الى الرحم، والثالث: من الرحم الى ظهر الأرض، والرابع: من ظهر الأرض الى القبر، والخامس: من القبر الى موقف العرض، والسادس: من موقف العرض الى دار الاقامة: اما الى الجنة أوالنار، وقد قطعنا نصف الطريق، وبقي الأصعب.
يا من يضجّ في الكرب ويصيح، خلّ التدبير لغيرك فتستريح، تكثر النحيب والعويل، وتنسى ما سلف من الفعل الوبيل. لو رجعت اليك بقلبك، لعجّل عليك بتفريج همّك وكربك.
يا أخي، اياك والدنيا، فان حبل الدنيا مبتوت، واقنع منها بالقوت، واعلم أنك تموت.
قال ابن المبارك: قدمت مكة، فاذا الناس قد قحطوا من المطر، وهم يستسقون في المسجد الحرام، وكنت في الناس من باب بني شيبة، اذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش، قد ائتزر باحداهما، وألقى الأخرى على عاتقيه، فصار في موضع خفي الى جانبي، فسمعته يقول: الهي، أخلقت الوجوه كثرة الذنوب ومساوئ العيوب، وقد منعتنا غيث السموات لتؤدب الخليقة بذلك، فأسألك يا حليم، يا من لا يعرف عباده منه الا الجميل، اسقهم الساعة الساعة.
قال ابن المبارك: فلم يزل يقول: اسقهم الساعة الساعة، حتى انسدّ الجو بالغمام، وأقبلت قطرات الركام تهطل كأفواه القرب، وجلس مكانه يسبّح الله تعالى، فأخذت في البكاء، حتى قام فاتبعته حتى عرفت موضعه.
فجئت الى الفضيل بن عيّاض، فقال لي: ما لي أراك كئيبا؟ فقلت له: سبقنا اليه غيرنا، فولاه دوننا. قال: وما ذلك؟ فقصصت عليه القصة وسقط في الأرض، وقال: ويحك ابن المبارك، خذني اليه، فقلت: قد ضاق الوقت، سأبحث عن شأنه.
فلما كان من الغد، صليت الغداة، وخرجت أريد الموضع، فاذا بشيخ على باب، وقد بسط له وهو جالس، فلما رآني عرفني، وقال: مرحبا بك يا أبا عبد الرحمن، ما حاجتك؟ فقلت: احتجت الى غلام، فقال: نعم عندي عدّة، اختار أيهم شئت، فصاح يا غلام، فقال: هذا محمود العاقبة، أرضاه لك، فقلت: ليس هذا حاجتي، فما زال يخرج واحدا بعد واحد، حتى أخرج الىّ الغلام، فلما أبصرته بدرت عيناي بالدموع، فقال: هذا؟ فقلت: نعم، فقال: ليس لي الى بيعه سبيل. فقلت: ولم؟!. قال: قد تبرّكت بموضعه في هذه الدار، فقلت له: ومن أين طعامه؟ فقال: يكسب من فتل الشريط نصف دانق أو أقل أو أكثر، فهو قوته ان باعه في يومه، والا طوى ذلك اليوم.
وأخبرني الغلمان عنه أنه لا ينام في الليل الطويل ولا يختلط بأحد منهم، مهتم بنفسه، وقد أحبه قلبي.
فقلت له: انصرف الى الفضيل بن عياض وسفيان الثوري بغير قضاء حاجة، ثم رجعت اليه، وسألت فيه بالحاح، فقال: ان ممشاك عندي كبير، خذه بما شئت.
قال: فاشتريته، وسرت معه نحو دار الفضيل، فمشيت ساعة فقال لي: يا مولاي.
فقلت له: لبيك.
فقال: لا تقل لبيك، فان العبد أولى بأن يلبي من المولى.
قلت: وما حاجتك يا حبيبي.
قال: أنا ضعيف البدن، لا أطيق الخدمة، وقد كان لك في غيري سعة، قد أخرج لك من هو أجلد مني وأثبت. فقلت له: لا يراني الله تعالى أستخدمك، ولا كان اشترائي لك الا أنزلك منزلة الأولاد، ولأزوّجك، وأخدمك أنا بنفسي. قال: فبكى، فقلت له: وما يبكيك؟.
قال لي: أنت لم تفعل هذا، الا وقد رأيت بعض نتصلاتي بالله تعالى، والا، فلم أخذتني من أولئك الغلمان؟.
فقلت له: ليس بك حاجة الا هذا.
فقال لي: سألت بالله الا أخبرتني.
فقلت له: باجابة دعوتك.
فقال لي: اني أحسبك ان شاء الله رجلا صالحا، ان لله عز وجل خيرة من خلقه، لا يكشف شأنهم الا لمن أحب من عباده، ولا يظهر عليهم الا من ارتضى.
ثم قال لي: ترى أن تقف عليّ قليلا، فانه قد بقي عليّ ركعات من البارحة.
قلت: هذا منزل الفضيل.
قال: لا هاهنا أحبّ اليّ. ان أمر الله تعالى لا يؤخر، فدخل المسجد، فما زال يصلي حتى أتى على ما أراد، فالتفت اليّ وقال: يا أبا عبدالرحمن، هل لك من حاجة؟.
قلت: ولم.
قال: لأني أريد الانصراف.
قلت: الى أين.
قال: الى الآخرة.
قلت: لا تفعل دعني أنتفع بك.
فقال لي: انما كانت تطيب الحياة حيث كانت المعاملة بيني وبين الله تعالى، فأما اذا اطلعت عليها أنت، سيطّلع عليها غيرك، فلا حاجة لي في ذلك، ثم خرّ على وجهه، وجعل يقول: الهي اقبضني الساعة الساعة، فدنوت منه، فاذا هو قد مات. فوالله ما ذكرته قط الا طال حزني، وصغرت الدنيا في عيني، وحقرت عملي.
رحمه الله ورحمنا به. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:14 pm | |
| الفصل العاشر لا تصلح المحبة لمن يميله حب المال
يا هذا، كم تتزيّا بزيّ العبّاد والزهّاد وحال قلبك في الغفلة ما حال، الظاهر منك نقيّ، والباطن منك متسخ بطول الآمال. لا تصلح المحبة لمن يميله حب المال، ولولا مكابدة المجاهدة لم يسمى القوم رجال.
يا ميت القلب، وعدك في الدنيا صحيح، وفي الآخرة محال، ان لم تبادر في الشباب، فبادر في الاكتهال، وما بعد شيب الرأس لهو ولما أبعد عثرة الشيخ أن تقال. ضيّعت زمان الشباب في الغفلة، وفي الكبر تبكي على التفريط في الأعمال، لو علمت ما أحصي عليك، لكنت من الباكين طول الليال.
قال رجل لذي النون وهو يعظ الناس: يا شيخ، ما الذي أصنع؟ كلما وقفت على باب من أبواب المولى صرفني عنه قاطع المحن والبلوى.
قال له: يا أخي، كن على باب مولاك كالصبي الصغير مع أمه، كلما ضربته أمه ترامى عليها، وكلما طردته، تقرّب اليها، فلا يزال كذلك حتى تضمه اليها.
يروى أن عيسى عليه السلام كان يسبح في الأرض، ويقول: دابتي رجلاي، ولباسي الشعر، وشعاري خوف الله، وريحاني عشب الأرض، وطعامي خبز الشعير، وظلي ظلمات الليل، ومسكني حيث أواني الليل، وهذا لمن يموت كثير.
ويروى عن الشبلي رضي الله عنه أنه قال: رأيت بدوي بمكة، حرسها الله تعالى، وهو يخدم الصوفية، فسألته عن سبب ذلك، فقال لي: كنت بالبادية، واذا بغلام حاف مكشوف الرأس ما معه زاد ولا ركوة ولا عصا، فقلت في نفسي: أدرك هذا الفتى، فاذا كان جائعا أطعمته، وان كان عطشان سقيته.
قال: فبادرت اليه حتى بقي بيني وبينه مقدار ذراع، واذا به بعد عني حتى غاب عن عيني، فقلت: هذا شيطان واذا به ينادي: لا بل سكران.
فناديته: يا هذا بالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق الا ما وقفت عليّ.
فقال لي: يا فتى أتعبتني وأتعبت نفسك.
فقلت له: رأيتك وحدك، فأردت أن أخدمك.
قال لي: من يكن الله معه، كيف يكون وحده؟!.
فقلت له: ما أرى معك زادا.
فقال لي: اذا جعت فذكره زادي، وان عطشت فمشاهدته سؤلي ومرادي.
فقلت له: أنا جائع أطعمني.
فقال: أولم تؤمن بكرامات الأولياء.
فقلت: بلى، ولكن ليطمئن قلبي، فضرب بيده الأرض، وكانت أرض رملة، ثم قبض قبضة، وقال: كل يا مخدوع، واذا هو سويق ألذ ما يكون.
فقلت: ما ألذه!.
فقال لي: في البادية عند الأولياء من هذا كثير لو عقلت.
فقلت له اسقني، فركض برجله الأرض، فاذا هو بعين من عسل وماء، فجلست لأشرب من تلك العين، ثم رفعت رأسي، فلم أره، ولم أدر كيف غاب، ولا أين ذهب، فأنا أخدم الفقراء من ذلك اليوم الى الآن، لعلي أرى مثل ذلك الولي.
يا هذا، الى متى تسمع أخبارهم ولا تقفو آثارهم، اطلب رفقة التائبين عساك لطريقهم ترشد، اندب على بعادك يا مطرود، فمثلك من بكى وعدد، اعتذر يا مهجور، عساك بالذل تسعد، وقل بلسان التذلل والأسف والكمد:
كم ذا التلوّم لا اقلاع يصحبه ولا عزيمة هذا العجز والكسل
وكم أردّد أقوال ملفقة ما ينفع القول ان لم يصدق العمل
واعجبا! كم لي أعاتب المهجور والعتب ما ينفع، كم لي أنادي أطروش الغفلة لو كان النداء يسمع، كم لي أحدّث قلبك وفي سماعك أطمع. وأها عليك يا جامد العين قط ما تدمع، من علامة الخذلان قلب لا يخشع، قلبك ذهب في حبّ الفاني، وأنت للحرام تجمع. عليك يا غافل في جمعه الحساب، وتخلفه لمن لا ينفع، بينما أنت في بستان اللهو اذ قيل: فلان سافر وليس في رجوعه مطمع.
ويروى عن علي بن أبي صالح أنه قال: كنت أدور في جبّ اللكام أطلب الزهاد والعباد، فرأيت رجلا عليه مرقّعة، هو جالس على صخرة مطرق الى الأرض.
فقلت له: يا شيخ ما تصنع هاهنا؟.
قال لي: انظر وأرعى.
قلت له: ما أرى بين يديك الا الحجارة، فما الذي تنظر وترعى. قال: أنظر خواطر قلبي، وأرعى أوامر ربي، فبحق الذي أظهرك عليّ الا ما تركتني، فانك شغلتني عن مولاي.
فقلت له: من لازم الباب، أثبت في الخدمة، ومن أكثر من الذنوب، أكثر من الندم، ومن استغنى بالله، لم يخف العدم. ثم تركني ومضى، رضي الله تعالى عنه. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:16 pm | |
| الفصل الحادي عشر لازم باب مولاك
يا من رواحله في طلب الدنيا لها اسراع، متى تحل عنها نطاق الأمل، فيكون الانقطاع؟ اذا طلبت الآخرة، تمشي رويدا، فمتى يكون الانتفاع؟ عجبا كيف تشدّ الرحال في طلب الفاني وفي طريقه قطاع! العمر أمانة أتلفت شبابه في الخيانة، وكهولته في البطالة، وفي الشيخوخة تبكي ونقول: عمري قد ضاع. متى أفلح الخائن فيما اشترى أو باع؟
أنت في طلب الدنيا صحيح الجسم، وفي طلب الآخرة بك أوجاع. كم تعرج عن سبل التقوى يا أعرج الهمة، يا من يبقى في القاع. يا من على عمره ليل الغفلة طلع الفجر المشيب بين الأضلاع. رافق رفاق التائبين قبل أن تنقطع مع المنقطعين { وما من غائبة في السماء والأرض الا في متاب مبين} النمل 75.
وأنشدوا:
اذا أنا لم أصبر على من أحبه وان حال عن وصلي فما انا صانع
أأتركه والقلب من فرط حبه أسير بما تطوي عليه الأضالع
أأسمع فيه العذل والوجد حاكم فما يغنني بالعذل ما أنا سامع
أأسلوه والشوق يمنع سلوتي وأكتم ما قد أظهرته المدامع
ويعتبني قلبي اذا زاد وجده فأضرب صفحا دونه وأمانع
وان زاد بي أشتكيه فحسبه على كل حال عند شكواي شافع
فلا عشة تصفو ولا موعد يفي ولا نظر يسلي ولا الصبر نافع
أرى الدهر يمضي برهة بعد برهة ولم ألف ما مالت اليه المطامع
فان ضقت ذرعا بالذي قد لقيته فكل مضيق فهو في الحب واسع
قال ذا النون المصري رضي الله عنه: رأيت امرأة متعبدة، فلما دنوت منها، ودنت مني، سلمت عليّ، فرددت عليها السلام، فقالت لي: من أين أقبلت؟ فقلت" من عند حكيم لا يوجد مثله، فصاحت صيحة شديدة، ثم قالت: ويحك كيف وجدت معه وحشة الغربة حتى فارقته، وهو أنيس الغرباء، ومعين الضعفاء، ومولى الموالي؟! أم كيف سمحت نفسك بمفارقته؟.
فأبكاني كلامها. فقالت لي: مم بكاؤك؟ فقلت لها: وقع الدواء على الجرح، فأسرع في نجاحه، فقالت لو كنت صادقا، فلم بكيت؟ فقلت لها: فالصادق لا يبكي؟ قالت: لا. قلت: ولم؟ قالت: لأن البكاء راحة للقلب. وهو نقص عند ذوي العقول.
قلت لها: علميني شيئا ينفعني الله به.
قالت: اخدم مولاك شوقا الى لقائه، فان له يوما يتجلى فيه الى أوليائه، لأنه سبحانه سقاهم في الدنيا من محبته كأسا لا يظمؤون بعدها أبدا.
ثم أقبلت تبكي وتقول: الهي وسيدي، الى كم تدعني في دار لا أجد لي فيها أنيسا يساعدني على بلائي، ثم جعلت تقول:
اذا كان داء العبد حب مليكه فمن دونه يرجى طبيبا مداويا
يا أخي، اذا طردك مولاك عن بابه؟ فالى باب من ترجع، والى أي طريق تذهب، والى أي جهة تقصد؟ لازم باب مولاك، فلعل وعسى يثمر عودك.
وأنشدوا:
حنين قلوب العارفين الى الذكر وتذكارهم عن المناجاة بالسر
وأجسامهم في الأرض سكرى بحبه وأرواحهم في ليل حجب العلى تسرى
عباد عليهم رحمة الله أنزلت فظلوا عكوفا في الفيافي وفي القفر
وراعوا نجوم الليل لا يرقدونه بادمان تثبيت اليقين مع الصبر
فهذا نعيم القوم ان كنت فاهما وتعقل عن مولاك آداب من يدري
فما عرسوا إلا بقرب حبيبهم ولا عرّجوا عن مسّ بؤس ولا ضرّ
أديرت كؤوس للمنايا عليهم فغفوا عن الدنيا كاغفاء ذي سكر
همومهم جالت لدى حجب العلى وهم أهل ودّ الله كالأنجم الزهر
فلا عيش الا مع أناس قلوبهم تحنّ الى التقوى وترتاح للذكر
ويروى عن بعض العبّاد رضي الله عنه أنه قال: بينما أنا في الطريق أسير، وكنت صائما، فرأيت نهرا جاريا، فانغمست فيه، فاذا أنا بسفرجلة على وجه الماء، فأخذتها لأفطر عليها.
قال: فلما أفطرت عليها ندمت، وقلت: أفطرت على ما ليس لي، فلما أصبحت سرت، فضربت على باب البستان الذي كان النهر يخرج منه، فخرج اليّ شيخ كبير، فقلت له: يا شيخ، انه خرج من بستانكم هذا بالأمس سفرجلة، فأخذتها وأكلتها، وقد ندمت على ذلك، فعسى أن تجعلني في حل.
فقال لي: أما أنا في هذا البستان أجير، ولي فيه منذ أربعين سنة ما ذقت من فاكهته شيئا قط، وليس لي في البستان شيء. قلت: لمن هو: قال: لأخوين بالموضع الفلاني.
قال: فأتيت الموضع، فوجدت أحدهما، فقصيت عليه القصة، فقال: نصف البستان لي، وأنت حل من نصيبي في تلك السفرجلة. فقلت له: وأين أجد أخاك؟ قال: بموضع كذا وكذا.
فمضيت اليه، وقصيت عليه القصة، فقال لي: والله لا أجعلك في حل الا بشرط. فقلت: وما الشرط؟ قال: أزوّجك ابنتي وأعطيك مائة دينار. قال له العابد: ويحك أنا في شغل عن هذا. أما رأيت ما أصابني لأجل سفرجلتك؟ فاجعلني حل. فقال له: والله ما فعلت الا بالشرط المذكور.
فلما رأى العابد منه الجد، امتثل، وقال افعل، فأعطاه مائة دينار، ثم قال له: أعطني منها ما شئت مهر ابنتي، فرمى بها كلها اليه، فقال له: لا، الا البعض.
قال: فزوّجه ابنته، فلامه الناس على ذلك، وقالوا له: خطب ابنتك أرباب الدولة وكبراء الناس، ولم تعطها لهم، فكيف أعطيتها لفقير لا مال له؟ فقال لهم: يا قوم انما رغبت في الورع والدين، ولأن هذا الرجل من عباد الله الصالحين، رضي الله عنهم أجمعين. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:19 pm | |
| الفصل الثاني عشر لا يكونن أحدكم كالعبد السوء
يا من عمي عن طريق القوم، عليك باصلاح نور البصر. القلب المظلم يمشي في شوك الشك وما عنه خبر. وقت التائب كله عمل: نهاره صوم، وليله سهر، ووقت البطال كله غفلة، وبصيرته عميت عن النظر. من ذاق حلاوة الزهد، استحلى التهجد والسهر، ان تدرك المتهجدين في أول الليل، ففي أعقاب السحر. تيقّظ من نوم الغفلة، فهذا فجر المشيب انفجر، وأذلة التخلف اذا تخلف عن الباب وما حضر!.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يكونن أحدكم كالعبد السوء، ان خاف عمل، وان لم يخف فلا عمل، أو كالأجير السوء، ان لم يعط أجرا وافرا لم يعمل".
أوحى الله الى داود عليه السلام: يا داود، العاشقون يعيشون في حلم الله، والذاكرون يعيشون في رحمة الله، والعارفون يعيشون في لطف الله، والصّدّيقون يعيشون في بساط الأنس بالله يطعمهم ويسقيهم.
قال أبو بكر الرازي: قا ابن عطاء: لما أكل آدم من الشجرة، طرده كل شيء ونفاه عن نفسه، وأبعده عن نفسه، وأبعده عن قربه، الا شجرة العود، فانها آوته. وبكى عليه كل شيء الا الذهب والفضة.
فأوحى الله اليهما: ما لكما لا تبكيان على محب طرده محبوبه؟ فقالا: الهنا، وما كنا لنبكي على محب عصى محبوبه. فقال: وعزتي وجلالي، لأعزنّكما ولأجعلنّكما قيمة كل شيء، ولأجعلنّ أولاد آدم خدّاما لكما.
وأوحى الله الى العود: ومالك أويت طريد مولاه؟فقال: رحمة مني على ذلك.
فقال: وعزتي وجلالي، لأعذبنك بالنار في الدنيا، ولا ينتفع بك الا بعد احراقك، لأنك آويت من عصى في جوار مولاه بمرأى منه واطلاع عليه. وأنشدوا:
لقد ورد التقاة فما وردنا فهمنا والهين وما فهمنا
أحبّتنا بطيب الوصل جودوا فغير الجود منكم ما عرفنا
فان جدتم فعفوكم رجونا وبابكم الكريم به وقفنا
تذللنا بباكم عساكم بلطف جنابكم فارضوا علينا
وحقّكم لقد جئنا حماكم وآوينا لكم لكن طردنا
وحالت بيننا حجب المعاصي ولولا الذنب عنكم ما حجبنا
وما كان النوى والبعد منكم ولكن أصله مما افترقنا
فتحتم باب جودكم امتنانا علينا بعد جرم كان منا
فلم نصلح لقربكم ولكن أسأنا ثم تبنا ثم عدنا
وعاملناكم بالعدل دهرا وعاهدناكم زمنا فخنّا
ولم ينقض لكم عهد ولكن علينا قد نقضنا ما نقضنا
طردنا بالجرائم عن رضاكم ولو كنا له أهلا قبلنا
وأقررنا بزلتنا لديكم فجودوا بالرضا انّ اعترفنا
ومن يرجو العبيد يوى الموالي فأنتم راحمونا كيف منا
وهل في غيركم عنكم بديل وهل لولاكم للحق معنى
فما أشهى وصالكم وأحلى وما أعلى مقامكم وأسنى
فعزتنا تذللنا اليكم وأشرف حالنا لكم ان خضعنا
بجاه محمد خير البرايا تشفعنا لكم وبه اعتصمنا
عليه تحيّة ما لاح برق وتاق لحبّه قلب المعنّى | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:25 pm | |
| الفصل الثالث عشر ضيّعت الشباب في الغفلة
يا هذا، كم لك على المعاصي مصر؟ متى يكون منك المتاب؟ جسمك باللهو عامر، وقلبك من التقوى خراب، ضيّعت الشباب في الغفلة، وعند الكبر تبكي على زمان الشباب. في المجلس تبكي على الفائت، واذا خرجت عدت للانتهاب. لا حيلة لوعظي فيك وقد غلق في وجهك الباب. كم لي أحدّث قلبك، وأرى قلبك غائبا مع الغيّاب، يا من قلبه مشغول، كيف تفهم الخطاب. وافرحة ابليس اذا طردت عن الباب! هذا مأتم الحزن، هذا المجلس قد طاب.
رحلت رفاق التائبين الى رفاق الأحباب. يا وحشة المهجور المبعد عن الباب اذا لم يجد للقرب والدنو سببا من الأسباب. يا منقطعا عن الرفاق الأحباب، تعلق بأعقاب الساقة بذلّ وانكسار ودمع ذي اسكاب، وقل: تائه في بريّة الحرمان، مقطوع فيه تيه الشقاء، مسبول دونه الحجاب، كلما رام القيام، أقعده وأبعده بذنوبه الحجّاب، لا زاد ولا راحلة ولا قوة، فأين الذهاب؟ عسى عطفة من وراء ستر الغيب تهون عليك صعاب المصاب.
لله درّ أقوام شاهدوا الآخرة بلا حجاب، فعاينوا ما أعدّ الله للمطيعين من الأجر والثواب. ترى لماذا أضمروا أجسادهم وأظمؤوا أكبادهم، وشرّدوا رقادهم، وجعلوا ذكره بغيتهم ومرادهم؟!. وأنشدوا:
يا رجال الليل مهلا عرّسوا انني بالنوم عنكم مشتغل
شغلتني عنكم النفس التي تقطع الليل بنوم وكسل
أنا بطّال وأنتم ركّع زاد تفريطي وزدتم في العمل
قلت مهلا سادتي أهل الوفا حمل القوم وقالوا لا مهل
قال وهب بن منبه: أوحى الله الى نبي من الأنبياء: أن اذا أردت أن تسكن معي في حظيرة القدس، فكن وحيدا في الدنيا، فريدا مهموما حظينا، كالطير الوحيد يظل في أرض الفلاة، يرد ماء العيون، ويأكل من أطراف الشجر، فاذا جنّ عليه الليل، آوى وحده استوحاشا من الطير، واستئناسا لربه.
ويروى عن سفيان الثوري رضي الله عنه أنه قال: مرّ عابد براهب، فقال له: يا راهب، كيف ذكرك للموت؟ قال: أرفع قدما ولا أضع أخرى، الا خشيت أن قد مت.
قال: كيف كان نشاطك للصلاة؟ قال: ما سمعت أحدا سمع بالجنة، فأتت عليه ساعة الا صلى ركعتين.
قال العابد: يا راهب، مالكم تلبسون هذه الخرق السود؟ قال الراهب: لأنها من لباس أهل المصائب.
فقال له العابد: أكلكم معشر الرهبان قد أصيب بمصيبة. قال الراهب: يا أخي وأي مصيبة أعظم من مصيبة الذنوب على أهلها؟.
قال العابد: فما تذكرت هذا الكلام، الا وبكيت.
قال العتبي: أنشد رجل من أهل الزهد هذه الأبيات:
ويوم ترى الشمس قد كوّرت وفيه ترى الأرض قد زلزلت
وفيه ترى كل نفس غدا اذا حشر الناس ما قدّمت
أترقد عيناك يا مذنبا وأعمالك السوء قد دوّنت
فاما سعيد الى جنة وكفاه بالتور قد خضّبت
واما شقي كسى وجهه سوادا وكفاه قد غللت
خرج عمر بن عبد العزيز في بعض أسفاره، فلما اشتد الحرّ عليه، دعا بعمامة فتعمم بها، فلم يلبث أن نزعها، فقيل له: يا أمير المؤمنين، لم نزعتها؟ لقد كانت تقيك الحرّ. قال: ذكرت أبياتا قالها الأول، وهي هذه:
من كان حين تمسّ الشمس جبهته أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوما راغما جدثا
في قعر مظلمة غبراء موحشة يطيل تحت الثرى في جوفها اللبثا
وقد خرج عيسى بن مريم عليه السلام على الحواريين وعليهم آثار الغبار، وعلى وجوههم النور، فقال: يا بني الآخرة، ما تنعّم المتنعمون الا بفضل نعمتكم.
وقيل للحسن البصري رضي الله عنه: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها؟ فقال: خلوا بالرحمن، فألبسهم نورا من نوره.
وروي عن أبو ماجد، قال: كنت أحب الصوفية، فاتبعتهم يوما الى مجلس عالم، فرأيت في المجلس شخصا تتمنى النفوس دوام النظر اليه، وهو يبكي كلما سمع العالم والقارئ يقول: الله، الله، فلم تنقطع له دمعة.
فتعجبت من توكّف عبراته، وترادف زفراته، مع صغر سنه، وغضّ شبابه، فسألت بعض الصوفية عنه فقال: انه تائب غزير الدموع، كثير السجود والركوع، رقيق القلب شفيق الحب.
فبينما نحن كذلك، اذا قرأ القرآن:{ فاذكروني أذكركم} البقرة 152، فقام قائما على قدميه، وهو يقول: سيّدي، خاب من في قلبه غير ذكرك. وهل في الأكوان غيرك حتى يذكر يا حبيب القلوب؟!.
وأنشدوا:
تهتّكي في الهوى حلا لي وعاذلي ما له وما لي
يلومني في الغرام جهلا وكلما لامني حلا لي
قالوا تسليّت قلت كلا يا قوم مثلي يكون سالي
قالوا تعشقت قل أهلا لقد تعشّقت لا أبالي
قال أبو علي: الرّجال في هذا المقام على أربعة أقسام:
القسم الأول: رجل قد استولى على قلبه عظمة الله وكحبته، فاشتغل بذكره عن ذكر من سواه، ولم تلهه الأكوان عن الاستئناس بذكره، فهذا هو الذي وصفه الله تعالى، فقال:{ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} النور 37.
والثاني: رجل عاهد الله تعالى بصدق الاجابة، وتحقق العبودية، واخلاص الورع، والقيام بالوفاء، فهو الذي وصفه الله تعالى بقوله:{ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} الأحزاب 23.
والثالث: رجل يتكلم لله وفي الله وبالله ومن أجل الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر على سائر ضمائر الأسرار، ثم على ظواهر النفوس الأغيار، وهو الذي وصفه الله تعالى، فقال:{ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} يس 20.
والرابع: رجل يتكلم سره عن نفسه وعن الملكين الموكلين، ولا يطّلع على سرّه الا مولاه، وهو الذي وصفه الله تعالى، فقال:{الله نزل أحسن الحديث}، الى قوله:{ الى ذكر الله} الزمر 23، فهذا هو في ظاهره كالسّليّ الخليّ، وفي باطنه كالمتوليّ الشجيّ.
وأنشدوا:
اليك والا لا يفيد سرى الساري ولا حرف الا ما تلاه لك القاري
فيا منيتي يا بغيتي بل ورحمتي ويا جنتي في كل حال ويا ناري
اذا صحّ منك الاعتقاد فكل ما على الأرض فان من شموس وأقمار
قال مالغيرة بن حبيب: كنت أسمع بمجاهدة المحبين، ومناجاة العارفين، وكنت أشتهي أن أطّلع على شيء من ذلك، فقصدت مالك بن دينار، فرمقته على غفلة وراقبته من حيث لا يعلم ليالي عدة، فكان يتوضأ بعد العشاء الآخرة، ثم يقوم الى الصلاة، فتارة يفني ليلة في تكرار آية أو آيتين، وتارة يدرج القرآن درجا، فاذا سجد وحان انصرافه من صلاته، قبض على لحيته، وخنقته العبرة، وجعل يقول: بحنين الثكلى وأنين الولهى، يا الهي، ويا مالك رقّي، ويا صاحب نجواي، ويا سامع شكواي، سبقت بالقول تفضلا وامتنانا، فقلت:{ يحبهم ويحبونه} المائدة 54، والمحبّ لا يعذب حبيبه، فحرم شيبة مالك على النار. الهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، فأيّ الرجلين مالك، وأي الدارين دار مالك؟.
ثم يناجي كذلك الى أن يطلع الفجر، فيصلي الصبح بوضوء العتمة رحمه الله. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:31 pm | |
| الفصل الرابع عشر لا يصبرون عنه لحظة
يا من أقعده الحرمان، هذه رفاق التائبين عليك عبور. لا رسالة دمع ولا نفس آسف، وما أراك الا مهجور. هذا نذير الشيب ينذر بالرحلة تهيأ لها منذور. كم أعذار؟ كم كسل؟ كم غفلة؟ ما أجدك يوم الحساب معذور. بيت وصلك خراب، وبيت هجرك معمور. بدر عساك تجبر بالتوبة وتعود مجبور، سجدة واحدة واصل بها السحر وتنجو من الأهوال، { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدوّ والآصال} الرعد 15.
لله در أقوام قلوبهم معمورة بذكر الحبيب، ليس فيها لغيره حظ ولا نصيب، ان نطقوا فبذكره، وان تحرّكوا فبأمره، وان فرحوا فبقربه، وان ترحوا فبعتبته، أقواتهم ذكر الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لا يصبرون عنه لحظة، ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة.
وأنشدوا:
حياتي منك في روح الوصال وصبري عنك من طلب المحال
وكيف الصبر عنك وأي صبر لعطشان عن الماء الزلال
اذا لعب الرجال بكل شيء رأيت الحبّ يلعب بالرجال
يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اذا بلغ العبد أربعين سنة، ولم يغلب خيره على شرّه، قبّله الشيطان بين عينيه، وقال: فديت وجها لا يفلح أبدا، فان منّ الله عليه، وتاب اليه، واستنقذه من الضلالة، واستخرجه من غمرات الجهالة، يقول الشيطان لعنه الله: يا ويلاه، قطع عمره بالضلالة، فأقرّ بالمعصية عيني، ثم أخرجه الله من الجهالة بتوبته ورجوعه الى ربه" أورده الغزالي في الاحياء.
وذكر في بعض الأخبار أن رجلا كان من الفقهاء من أهل بغداد، وكان ممن يسار اليه في العلم والصلاح، وكان شيخا كبيرا فاضلا، وأراد الحج الى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيّه عليه الصلاة والسلام، فألّف من أصحابه جماعة من الذين كانوا يقرؤن عليه، فارتبط معهم على أنهم يخرجون متوكلين على الله عز وجل.
فلما ساروا في بعض الطريق، واذا بدير نصراني، وقد أعياهم الحرّ والعطش، فقالوا: يا أستاذنا، نسير لهذا الدير، فنستظل حتى يبرد النهار، ونرحل ان شاء الله تعالى، فقال لهم: افعلوا ما شئتم، فساروا الى ذلك الدير، ونزلوا عند جداره وقد أصابهم الإعياء والحر، فنام الطلبة، والشيخ لم ينم.
قال: فتركهم الشيخ نائمين، وخرج يطلب ماء لوضوئه، ولم يكن له همّ الا ذلك، فبينما هو يمشي في حومة الدير يطلب الماء، فرفع رأسه، فرأى جارية صغيرة السن، كأنها الشمس الضاحية، فلما رآها الشيخ تمكّن ابليس من قلبه، ونسي الوضوء والماء، ولم يكن له هم الا الجارية، فأقبل يقرع الباب قرعا عنيفا، فخرج اليه راهب وقال له: من أنت؟
قال له: أنا فلان العالم الفلاني، وعرّفه بنفسه واسمه.
فقال له الراهاب: ما تريد يا فقيه المسلمين؟.
قال له: يا راهب، هذه الصبية التي بدت من أعلى الدير، ما هي منك؟.
قال الراهب: هي ابنتي، فما سؤالك عنها؟.
قال له الشيخ: أريد أن تزوّجني اياها.
قال له الراهب: ان ذلك لا يجوز عندنا في ديننا، ولو كان جائزا، لكنت أزوّجها منك بغير مشورتها، ولكن قد جعلت لها على نفسها عهدا، أن لا أزوّجها الا من ترضى لنفسها، ولكن أنا أدخل عليها وأعلمها بخبرك، فان هي رضيتك لنفسها، زوّجتك منها.
قال له الشيخ: حبا وكرامة.
قال: فذهب الراهب الى ابنته، فأعلمها بالقصة، والشيخ يسمع.
فقالت: يا أبت، كيف تزوّجني منه، وأنا على دين النصرانية، وهو على دين الاسلام، انّ ذلك لا يتم له الا أن يدخل في دين النصرانية.
قال: فعند ذلك، قال لها الراهب: أرأيت ان دخل في دينك، تتزوجينه؟.
قالت: نعم.
والشيخ العالم في هذا كله يتضاعف به الأمر، وابليس يزيّنها في عينيه، وأصحابه رقود، ليس عندهم علم بما حلّ به.
قال: فعند ذلك، أقبل عليها الشيخ وقال لها: قد نبذت دين الاسلام، ودخلت في دينك.
قالت له الجارية: هذا زواج قدري، ولكن لا بد من حق الزوجية ودفع المهر، وأين الحق، وأراك رجلا فقيرا، ولكن أقبل منك في حقي أن ترعى هذه الخنازير عاما كاملا، ويكون ذلك صداقي.
قال لها: نعم، لك ذلك، ولكن أشترط عليك أن لا تجبي وجهك عني، لأنظر اليك غدوة وعشيا.
قالت: نعم.
فأخذ عصاه التي كان يخطب عليها، وأقبل بها على الخنازير، يزجرها لتمشي للمرعى.
وجرى هذا كله وأصحابه نيام، فلما استيقظوا من نومهم طلبوا الشيخ فلم يجدوه، فسألوا عنه الراهب، فأعلمهم بالقصة.
قال: فمنهم من خرّ مغشيا عليه، ومنهم من بكى وناح، ومنهم من تأسف على ما حلّ به.
ثم قالوا للراهب: وأين هو؟.
قال لهم: يرعى الخنازير.
قال: فمضينا اليه، فوجدناه متكئا على عصاه التي كان يخطب عليها وهو يزجر بها الخنازير، وقلنا له: يا سيّدنا، ما هذا البلاء الذي حلّ بك.
وجعلنا نذكّره فضل القرآن والاسلام، وفضل محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأنا عليه القرآن والحديث.
فقال لنا: اليكم عني، فأنا أعلم بما تذكرونني به منكم، ولكن قد نزل بي البلاء من عند رب العالمين.
قال: فكلما عالجناه ليسير معنا، ما قدرنا عليه، فمضينا الى مكة وتركناه، وفي قلوبنا منه حسرة.
وقضينا حجنا ورجعنا نريد بغداد، فلما صرنا الى ذلك الموضع، فقلنا: تعالوا ننظر ما فعل الشيخ، لعله ندم وتاب الى الله عز وجلّ، ورجع عما كان فيه.
قال: فذهبنا اليه، فوجدناه على حالته، وهو يزجر الخنازير، فسلمنا عليه وذكّرناه، وقرأنا عليه القرآن، فما ردّ علينا شيئا، فانصرفنا عنه وفي قلوبنا منه حسرة عظيمة.
قال: فلما صرنا على بعد من الدير، واذا نحن بسواد قد أقبل علينا من ناحية الدير، وهو يصيح علينا، فوقفنا له، فاذا هو صاحبنا الشيخ قد لحق بنا.
وقال: اشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وأنا قد تبت الى الله، ورجعت عما كنت فيه، وماكنت فيه، وما كان ذلك الا من ذنب كان بيني وبين ربي عاقبني به، فكان من البلاء ما رأيتم.
قال: فسررنا بذلك غاية السرور، وجئنا الى بغداد، وأقبل الشيخ على العبادة والاجتهاد أكثر مما كان عليه قبل ذلك، فبينما نحن في دار الشيخ نقرأ عليه، واذا نحن بامرأة قد قرعت الباب، فخرجنا اليها وقلنا لها: ما حاجتك أيتها المرأة.
قالت: أريد الشيخ وقولوا: ان فلانة بنت فلان الراهب قد جاءت لتسلم على يديك، فأذن لهابالدخول، فدخلت، وقالت: يا سيدي جئت لأسلم على يديك.
فقال لها الشيخ: وما كانت القصة.
قالت له: لما وليت عني، غلبتني عيناي، فنمت، فرأيت فيما يرى النائم علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وهو يقول: لا دين الا دين محمد صلى الله عليه وسلم، قال لي ذلك ثلاث مرّات، ثم قال لي بعد ذلك: ما كان الله ليبتلي بك وليا من أوليائه. وها أنا ذا قد جئت اليك، وأنا بين يديك، وأقول: أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
ففرح الشيخ بذلك، حيث منّ الله عليها بدين الاسلام على يديه، فتزوجها على كلمة الله وسنة رسوله.
قال: فسألناه عن ذلك الذنب الذي كان بينه وبين الله.
قال: كنت يوما ماشيا في بعض الأزقة، واذا برجل نصراني قد لصق بي، فقلت له: ابعد عني عليك لعنة الله. فقال: ولم ؟ قلت له: أنا خير منك.
فالتفت النصراني، وقال: ما يدريك أنك خير مني، وهل تدري ما عند الله تعالى حتى تقول هذا الكلام؟.
وقد بلغني بعد ذلك أن هذا الرجل النصراني قد أسلم وحسن اسلامه، ولزم العبادة، فعاقبني الله تعالى من أجل ذلك ما رأيتم.
نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:36 pm | |
| الفصل الخامس عشر تعالوا نبكي على الذنوب
معاشر التائبين: تعالوا نبكي على الذنوب فهذا مأتم الأحزان، تعالوا نسكب المدامع. ونشتكي الهجران، لعل زمان الوصال يعود كما كان.
هذا بياض الشيب ينذر بخراب الأوطان، يا من تخلف حتى شاب، وقد رحلت الأظعان.
يا تائها في تيه، التخلف، يا حائرا في بريّة الحرمان، نهارك في الأسباب، وليلك في الرقاد، هذه الخسارة عيان، اذا ولى الشباب ولم يربح، ففي الشباب حتى ذبل من معاصي الرحمن، فعند اقبال المشيب، ندمت على ما قد كان. ان لم يشاهدك رفيق التوفيق، والا ففي الحرمان حرمان. وقد يرحم المولى من ضعف عن الأسباب{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} الرعد 39.
وأنشدوا:
أتبني بناء الخالدين وانما بقاؤك فيها لو عقلت قليل
لقد كان في ظل الأراك مقيل لمن كل يوم يقتفيه رحيل
ويروى عن الحسن البصري رضي الله عنه، أنه كان يقول: يا ابن آدم، انّ لك عاجلا وعاقبة، فلا تؤثر عاجلتك على عاقبتك، فقد، والله، رأيت أقواما آثروا عاجلتهم على عاقبتهم، فهلكوا وذلوا وافتضحوا.
يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا.
يا ابن آدم، لا يضرّك ما أصابك منشدة الدنيا اذا ادّخر لك خير الآخرة، وهل ينفعك ما أصبت من رخائها اذا حرمت من خير الآخرة.
يا ابن آدم، الدنيا مطيّة، ان ركبتها حملتك، وان حملتها قتلتك.
يا ابن آدم: انك مرتهن بعملك، وآت على أجلك، ومعروض على ربك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، وعند الموت يأتيك الخبر.
يا ابن آدم: لا تعلق قلبك بالدنيا فتعلقه بشر متعلق، حسبك أيها المرء ما بلّغك المحل.
ويروى عن مالك بن دينار رضي الله عنه، أنه كان ماشيا في بعض أزقة البصرة، اذا هو بجارية من جواري الملك، راكبة ومعها الخدم والمماليك، فسمع مالك حسّها خلفه، فالتفت اليها وهي راكبة، فرأى زهرتها وهيأتها وحالها، فنادى: أيتها الجارية هل يبيعك مولاك.
قال: فلما سمعت منه تلك الكلمة، نظرت اليه، فرأت عباءة خلقة بالية، وله هيأة حسنة وتواضع وسكينة لله عز وجل.
فقالت للخدم: أمسكوا مطيتي، فمسكوها، فردّت رأسها اليه، وقالت له: يا شيخ، أعد عليّ مقالتك. قال: قلت هل يبيعك مولاك. قالت: ويلي عليك، وهل لمثلك ما يشتريني به لو باعني؟!.
قال: فحفّ به المماليك، قال: خلوا عني أسير معكم، فسار معهم حتى أتت قصرها، فقام اليها حجبة الدار فأنزلوها، فدخلت، وبقي مالك بباب القصر حتى وصلت الى مولاها، فقالت: يا مولاي، ألا أحدثك بعجب؟!.
قال: وما هو يا حسنة؟.
قالت: يا مولاي لقيني شيخ كبير فقير عليه عباءة رثة بالية، فنظر الى حسني وجمالي وبهائي وكمالي ومماليكي، فأعجبه ما رأى من هيأتي، فقال: هل يبيعك مولاك، فضحك مولاها من ذلك، وقال لها: وأين هو ويلك؟! قالت: قد جئتك به معي، وها هو بباب القصر، فقال: أدخلوه عليّ.
فدخل مالك، ولم يعرفه الرجل، فلما وقف بباب مجلسه، اذ هو بيت مملوء بضروب من الوطأ، والمتكأ، واذا هو بصاحب القصر قاعد على مرتبة عظيمة، فجعل مالك ينظر اليه. فقال: مالك؟ أدخل أيها الشيخ.
فقال مالك: لا أدخل حتى ترفع هذا الوطاء، وتغيّب عني فنتنته، حتى لا أنظر اليه، ولا أطأ شيئا منه.
فألقى الله الهيبة والطاعة في قلب صاحب القصر، فأمر برفع الوطاء والبسط، حتى كشف عن الرخام، وقعد صاحب القصر على كرسي قال: اجلس أيها الشيخ كما أحببت.
قال: لا والله حتى تنول عن هذا الكرسي، وتجلس على هذا المرمر. قال: فجلس الرجل، وجلس مالك معه.
فقال رب البيت: قل حاجتك أيها الشيخ.
قال: جاريتك هذه التي دخلت عليك الساعة، أتبيعها لي؟.
فقال له صاحب القصر: وهل لك ما تبتاعها به مني؟.
قال: وما ثمنها؟.
قال له: ان من شأنها وقدرها وحالها ومالها، تساوي كذا وكذا ألفا.
فقال مالك: والله ما تساوي عندي نواتين مسوستين، فضحك الرجل، وضحكت الجارية، وضحك الجواري والخدم من وراء الستر من كلام مالك.
فقال مالك: وما الذي أضحككم؟.
قال صاحب البيت: وكيف كان ثمنها بهذه الخساسة عندك؟.
فقال مالك: لكثرة عيوبها.
قال: ومن أعلمك بعيوبها.
قال: أنا أعلم من عيوبها ما لم تعلم أنت.
قال: أعلمني بها، وأوقفني عليها.
قال: ان لم تتعطر تغيّرت، وان لم تستك بخرت، وان لم تغتسل بظرت، وان لم تمتشط قملت وشعثت، وان عمّرت عن قليل هرمت وهي ذات بخار، وبصاق، وحيض وبول وغائط أقذار جملة، وآفات بينة، ولعلها لا تريدك الا لنفسها، ولا تحبك الا لتمتعها بك، وتمتعك بها، فلا تفي بعهدك، ولا تصدق في ودّك وعهدك، ولا يتخلف عليها أحد من بعدك الا رأته مثلك. وأنا أجد بدون ما سألت جارية خلقت من سلالة الكافور، ولو مزج بريقها الأجاج لطاب، ولو دعي ميت بكلامها لأجاب، ولو بدا معصمها للشمس أظلمت دونه، ولو برز لسواد الليل لسطع نوره، ولو واجهت الآفاق بحليّها وحللها، لتزخرفت، ولو نفخ ريح ذوائبها على الأرض وما فيها لتعطّرت، فهي العطرة الشكلة المغنّجة المتنسقة، التي نشأت في رياض المسك والزعفران وغنيت بماء التنسيم، فلا يكسف بالها، ولا يحول حالها، ولا يخلف عهدها، ولا يتبدّل ودّها، ولا يتوقع ضدها. فأيهما أحق بالرفعة ايها المغرور؟.
قال: التي وصفت، فما ثمنها رحمك الله؟.
قال: اليسير المبذول، أن تتفرّغ ساعة عن ليلك، فتقوم فتصلي ركعتين تخلصهما لربك، وأن تضع طعامك بين يديك، فتذكر جائعا، فتؤثره على شهوتك، وأن تخطو الطريق فتلتقط منه حجرا ومدرا، وأن تحرّك لسانك بطيب الكلام، أو بذكر الرحمن، وأن تقطع أيامك باليسير من القوت، وترفع همّتك عن دار الغفلة، فتعيش في الدنيا عيش القنوع راسخا، وتأتي غدا يوم القيامة آمنا، وتنزل على الملك الأكبر مخلدا.
قال: فعند ذلك نادى: يا جارية.
قالت: لبيك يا مولاي.
قال: أسمعت ما قاله الرجل؟.
قالت: نعم.
قال لها: هل هو صادق، أم كاذب؟.
قالت: بل هو، والله صادق.
قال: فأنت اذن حرّة لوجه الله تعالى، وضيعة كذا وكذا عليك صدقة، وأنتم أيها الغلمان أحرار، وضياع كذا وكذا عليكم صدقة، وهذه الدار صدقة بجميع ما فيها من الأثاث والأموال على الفقراء والمساكين.
ومدّ يده على ستر كان على بعض أبوابه، فأخذه وستر به نفسه ورمى جميع ما كان عليه من اللباس.
قالت جارية: يا مولاي، لا عيش لي بعدك، فرمت بكسوتها ولبست ثوبا خشنا وخرجت معه، فودّعهما مالك بن دينار ودعا لهما وأخذا طريقا، وأخذ مالك طريقا آخر.
قال ناقل الحديث: فذكر أنها لم يزالا يعبدان الله عز وجل على تلك الحالة حتى لقياه. رحمة الله عليهم ونفعنا ببركاتهم.. آمين. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:38 pm | |
| الفصل السادس عشر متى يوقظك منادي
يا تائها في الضلال بلا دليل ولا زاد، متى يوقظك منادي الرحيل فترحل عن الأموال والأولاد؟ قل لي: متى تتيقّظ وماضي الشباب لا يعاد، ويحك كيف تقدم على سفر الآخرة بلا زاد ولا راحلة. ستندم اذ حان الرحيل، وأمسيت مريضا تقاد، ومنعت التصرف فيما جمعت، وقطعت الحسرات منك الأكباد، فجاءتك السكرات، ومنع عنك العوّاد، وكفنت في أخصر الثياب، وحملت على الأعواد، وأودعت في ضيق لحد وغربة ما لها من نفاذ، تغدو عليك الحسرات وتروح الى يوم التناد، ثم بعده أهوال كثيرة، فيا ليتك لمعاينتها لا تعاد.
فاغتنموا بضائع الطاعات، فبضائع المعاصي خاسرة{ كلا بل تحبّون العاجلة وتذرون الآخرة} القيامة 20ـ21.
وأنشدوا:
احذر دنياك وغرّتها واحذر أن تبد لها طلبا
تبغى ودّا ممن قدما لك قد قتلت أمّا وأبا
وعلى الجيران فقد جارت كلا قهرت أولت عطبا
كم من ملك ذي مملكة قد مال لها سكرا وصبا
أضحى في اللحد ومقعده بتراب اللحد قد احتجبا
اطلب مولاك ودع دنياك ففي أخراك ترى عجبا
كم من قصر قد شيد بنا بالموت وها أضحى خربا
يا طالبها لا تله بها كم من تاه ملك غضبا
أين الماضون قد سكنوا لحدا فردا خربا تربا
كانوا ومضوا ثم انقرضوا فتأدب أنت بهم أدبا
فالعمر مضى والشيب أتى والموت لجينك قد قربا
فأعدّ الزاد فما سفر عمر الأيام قد انتهبا
بادر بالتوب وكن فطنا لا تلق بجريتك النصبا
فلعل الله برحمته يلقي بالعفو لنا سببا
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: كنت أحمل الحطب من الجبال وأتقوّت به، وكان طريقي فيه التقوى والتحري، فرأيت جماعة من صلحاء البصرة في النوم، منهم الحسن ومالك بن دينار، وفرقد السّبخي.
فقلت لهم: أنتم أئمة المسلمين فدلوني على الحلال الذي ليس فيه تبعة، ولا للخلق فيه منّة، فأخذوا بيدي وأخرجوني من طرسوس الى مرج فيه خبّازي، فقالوا لي: هذا هو الحلال الذي ليس فيه لله تبعة، ولا للخلق فيه منة.
قال: قعدت آكل منه دهرا نيئا، وآكل منه مطبوخا، فأوجدني الله تعالى قلبا طيبا. قلت: ان كان أهل الجنة بالقلب الذي لي، فهم والله في عيش.
فخرجت يوما على باب البلد، واذا بفتى يريد البلد، وكانت لي قطيعات بقيت لي من الحطب الذي كنت أبيعه قبل ذلك، فقلت: هذه لا أحتاج اليها، أدفعها لهذا الفقير ينفقها.
فلما دنا مني، أدخلت يدي لأخرجها له، فرأيته قد حرّك شفتيه، واذا كل ما حولي من الأرض ذهب وفضة، حتى كاد يخطف بصري.
قال: ثم خرجت مرة أخرى، فرأيته قاعدا وبين يديه ركوة وفيها ماء، فسلمت عليه، ثم طلبت منه أن يكلمني فمدّ رجله، فقلب الركوة بمائها، ثم قال: كثرة الكلام تنشفّ الحسنات، كما تنشف هذه الأرض الماء، يكفيك.
قال محمد بن غسان صاحب الكوفة وقاضيها: دخلت على أمي في يوم عيد أضحى، فرأيت عندها عجوزا في أطمار رثة، واذا لها بيان ولسان، فقلت لأمي: من هذه؟ فقالت: خالتك عانية أم جعفر بن يحيى البرمكي، وزير هارون الرشيد، فسلكت عليها، وسلمت علي، فسألتها عن حالها، وقلت لها: صيّرك الدهر الى ما أرى!.
قالت: نعم يا بنيّ، انما كنا في عوار ارتجعها الدّهر منا.
فقلت اهت: حدّثني ببعض شأنك.
قالت: خذ جملة، وقس على ذلك. لقد مضى عليّ عيد في مثل هذا منذ ثلاث سنين، وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن ابني عاق، وقد كان بعث اليّ برسم الضاحي ألف رأس من الغنم، وثلاثمائة رأس من البقر، دون ما يتبع ذلك من الزينة واللباس، وقد جئتكم اليوم أطلب جلدي شاتين أجعل احداهما شعارا، والآخر دثارا، تعني غطاء بليل.
قال: فغمّني ذلك من قولها، وكربني ما رأيت من حالها، وأبكاني والله قولها، فوهبت لها دنانير كانت عندي.
فانظر أخي حال الدنيا، وكيف يحوّل نعيمها وكيف يذهب ويزول، فالمغرور، والله من اغترّ بها، والمسعود من رأى عيبها وفرّ منها والمصائب في الدنيا أعداد: فواحد يصاب في الأموال والأولاد، والآخر يعرى من الاسلام بالطرد والابعاد.
قال: بعض السادات: كنت جالسا عند الحسن البصري رضي الله عنه، فمرّ بنا قوم يجرون قتيلاـ، فلما رآه الحسن البصري، وقع مغشيا عليه، فلما أفاق من غشيته، سألته عن أمره فقال: ان هذا الرجل كان من أفضل العبّاد والزهاد وكبار السادات، فقلت له: يا أبا سعيد أخبرنا بخبره، وأطلعنا على أمره.
قال: ان هذا الشيخ خرج من بيته يريد المسجد ليصلي فيه، فرأى في طريقه جارية نصرانية، فافتتن بها، فامتنعت عليه، فقالت: لا أتزوجك حتى تدخل في ديني، فلما طالت المدة، وزاد به الأمر جبذته شهوته، ثم غلبت عليه شقوته، فأجاب الى ذلك، وبريء من دين الحنيفية.
فلما صار نصرانيا، وكان منه ما كان، خرجت المرأة من خف الستر، وقالت: يا هذا، لا خير فيك، خرجت من دينك الذي صحبته عمرك من أحل شهوة لا قدر لها، لكن أنا أترك دين النصرانية طلبا لنعيم لا يفنى عني طول الأبد في جوار الواحد الصمد، ثم قرأت:{ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} الاخلاص.
فتعجب الناس من أمرها، وقالوا لها: أكنت تحفظين هذه السورة قبل هذا؟! قالت: لا والله ما عرفتها قط، ولكن هذا الرجل لما ألحّ عليّ، رأيت في النوم كأني دخلت النار، فعرض عليّ مكاني منها، فارتعبت وخفت خوفا شديدا، فقال لي مالك: لا تخافي ولا تحزني، فقد فداك الله بهذا الرجل منها، ثم أخذ بيدي، وأدخلني الجنة، فوجدت فيها سطرا مكتوبا. فقرأته، فوجدت فيه{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} الرعد 39. ثم أقرأني سورة الاخلاص، فأقبلت أردّدها، ثم انبتهت وأنا أحفظها.
قال الحسن: فأسلمت المرأة، وقتل الشيخ على ردّته نصرانيا. نسأل الله العافية. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:40 pm | |
| الفصل السابع عشر أين أرباب القلوب
يا من يذوب ولا يتوب، كم كتبت عليك الذنوب، ويحك خلّ الأمل الكذوب. واأسفا، أين أرباب القلوب، تفرّقت بالهوى في شعوب، ندعوك الى صلاحك ولا تؤوب، واعجبا لك، ما الناس الا ضروب.
يا دهر ما أقضاك من متلوّن في حالتيك وما أقلك منصفا
وغدوت للعبد الجهول مصافيا وعلى الكريم الحرّ سيفا مرهفا
دهر اذا أعطى استردّ عطاءه واذا استقام بدا له فتحرّفا
لا أرتضيك وان كرمت لأنني أدري بأنك لا تدوم على الصفا
ما دام خيرك يا زمان بشرّه أولى بنا ما قل منك وما كفى
روي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال: أدركت أقواما، وصحبت طوائف، كان ياتي على أحدهم الخمسون سنة ونحوها ما طوى منهم أحد ثوبا قط لفراش ولا نوم، ولم يأمر أهله قط بعمل طعام، ولا جعل بينه وبين الأرض فراشا، ولقد كان يأكل أحدهم الأكلة، فيودّ أنها حجر في بطنه، وما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ولا يتأسفون على شيء منها أدبر، ولهي أهون عليهم من هذا التراب الذي تطؤونه بأرجلكم، ولقد كان أحدهم يعيش عمره مجهودا شديد الجهد، والمال الحلال الى جنبه، فيقال له: ألا تأخذ من هذا المال شيئا لتقتات به؟ فيقول: لا والله، اني لأخاف ان أصبت منه شيئا يكون فساد لقلبي وديني.
ويروى عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أنه تزوّج امرأة من كندة يقال لها: صواب، فأتاها ووقف بباب البيت ونادى باسمها فلم تجبه.
فقال لها: يا هذه أخرساء أنت أم صمّاء؟ألا تسمعين؟.
قالت: يا صاحب رسول الله، ما بي خرس ولا صم ولكن العروس تستحي أن تتكلم.
فدخل المنزل، فاذا بالأستار والأرياش ولباس الديباج، فقال: يا هذه أبيتك هذا محموم فدثرته، أم تحوّلت الكعبة في مندة.
قالت: لا يا صاحب رسول الله، ولكن العروس تزيّن بيتها، فرفع رأسه فرأى خدما وقوفا على رأسه قد أتوه بالماء والطعام، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نام على الموثور، ولبس المشهور، وركب المنظور، وأكل الشهوات، لم يرح راشحة الجنة".
قالت: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهدك أن كل ما في البيت صدقة لوجه الله تعالى، واكفني برا، أكفك اشتغال البيت ومحاولة العيش، فقال لها: رحمك الله وأعانك.
نفعنا الله ببركاتهم بمنّه. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:43 pm | |
| الفصل الثامن عشر قف على الباب وقوف نادم
يا غافلا عن نصيره، يا واقفا مع تقصيره، سبقك أهل العزائم، وأنت في بحر الغفلة عائم، قف على الباب وقوف نادم، ونكّس رأس الذل وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار: مذنب وراحم، وتشبّه بالقوم وان لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم، وقم في الدجى نادبا، وقف على الباب تائبا، واستدرك من العمر ذاهبه، ودع اللهو جانبا، وطلّق الدنيا ان كنت للآخرة طالبا، يا نائما طوال الليل سارت الرفقة، ورحل القوم كلهم، وما انتبهت من الرقدة.
ويروى عن اياس بن قتادة رضي الله عنه، وكان سيّد قومه، أنه نظر يوما الى شعرة بيضاء في لحيته، فقال: اللهم اني أعوذ بك من فجأة الأمور، أرى الموت يطلبني، وأنا لا أفوته، ثم خرج الى قومه، وقال لهم: يا بني سعد، قد وهبت لكم شبابي فلتهبوا لي شيبتي، ثم دخل داره، ولزم بيته حتى مات.
وأنشدوا:
أمن بعد شيب أيها الرجل الكهل جهلت ومنك اليوم لا يحسن الجهل
تحكّم شيب الرأس فيك وانما تميل الى الدنيا ويخدعك المطل
دع المطل والتسويف انك ميّت وبادر بجدّ لا يخالطه هزل
سأبكي زمانا هدّني بفراقه فليس لقلبي عن تذكره شغل
عجبت لقلبي والكرى اذا تهاجرا وقد كان قبل اليوم بينهما وصل
أخذت لنفسي حتف نفسي بكفها وأثقلت ظهري من ذنوب لها ثقل
وبارزت بالعصيان ربا مهيمنا له المنّ والاحسان والجود والفضل
أخاف وأرجو عفوه وعقابه وأعلم حقا أنه حكم عدل
وروي عن الحسن البصري أنه كان يقول: يا ابن آدم، هبطت صحيفتك، ووكّل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فالذي عن يمينك يكتب حسناتك، والذي عن يسارك يكتب سيئاتك، اعمل ما شئت، وأقلل أو أكثر، حتى اذا فارقت الدنيا، طويت صفحتك، وعلّقت في عنقك، فاذا كان يوم القيامة، أخرجت وقيل لك:{ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} الاسراء 14.
يا أخي، عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك.
يا ابن آدم، اعلم أنك تموت وحدك، وتدخل قبرك وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
يا ابن آدم: لو أن الناس كلهم أطاعوا الله، وعصيت أنت، لم تنفعك طاعتهم.
وروي عن ابراهيم بن أدهم أنه لقى رجلا، فقال له: كيف حالك يا ابا اسحاق، فقال له:
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقّع
فطوبى لعبد آثر الله ربّه وجاد بدنياه لما يتوقع
ويروى أن عون بن عبدالله كان يقول: ويحي، كيف أغفل ولا يغفل عني.
وكيف يهنأ عيشي، واليوم ثقيل من ورائي؟ كيف لا أبادر بعملي، ولا أدري متى أجلي؟ أم كيف أسرّ بالدنيا ولا يدوم فيها حالي، أم كيف أؤثرها وقد أضرّت بمن آثرها قبلي؟ وهي زائلة ومنقطعة عني؟ أم كيف لا يطول حزني وربي لا أدري ما يفعل بي في ذنوبي.
ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانت تأتي أربعون ليلة ما يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مصباح ولا نار. قيل لها: فيم كنتم تعيشون؟ قالت على الأسودين: الماء والتمر.
وعن عائشة بنت سليمان زوج يوسف بن أسباط أنها قالت: قال لي يوسف بن أسباط: اني لأشتهي من الله ثلاثة، قلت: وما هي؟ قال: أشتهي أن أكون حين أموت ليس في ملكي شيء، ولا يكون عليّ دين، ولا يكون على عظمي لحم.
ولقد أعطي من ذلك كله ولقد قال في مرضه: قالت: هل بقي عندك نفقة؟ قلت: لا، فقال: أي شيء تريدين؟ فقلت: أخرج هذه الخابية الى السوق للبيع، قال: فاذا فعلت ذلك، انكشف حالنا، فقال الناس: انما باعوها من الحاجة.
وكان عندنا خروف أهداه لنا بعض اخواننا، فأمر باخراجه الى السوق، فبيع بعشرة دراهم.
فقال لي: اعزلي درهما لحنوطي، وأنفقي سائرها.
قالت: فمات وما بقي من الدراهم الا الدرهم الذي أمر بعزله لحنوطه، رضي الله عنه ونفعنا ببركاته.
يا من تحدّثه الآمال، دع عنك هذه الوساوس، متى تنتبه لصلاحك أيها الناعس، متى تطلب الأخرى، يا من على الدنيا يتنافس. متى تذكر وحدتك اذا انفردت عن كل مؤانس، يا من قلبه قد قسا وجفنه ناعس.
وأنشدوا:
اني بليت بأربع ما سلّطت الا لعظم بليّتي وشقائي
ابليس والدنيا ونفسي والهوى كيف التخلص من يدي أعدائي
وروي عن عبد الأعلى بن علي رضي الله عنه قال: صعدت على جبل لبنان، لأرى من أتأدب به وأتهذب بأخلاقه، فدلّني الله على أحدهم في مغارة، فوجدت فيها شيخا تلوح على وجهه الأنوار وقد علته السكينة والوقار، فسلمت عليه، فأحسن الرد، فبينما أنا قاعد عنده، واذا أنا بمطر عظيم وسيل شديد، فاستحييت أن ىوي الى المغارة من غير اذنه، فناداني وآواني، وأقعدني على صخرة بازائه، وكان يصلي على مثلها، وقد ضاق صدري من المطر، وتضييقي عليه في موضعه، فناداني، وقال لي: من شرائط الخدّام، التواضع والاستسلام. فقلت له: ما علامة المحبة؟
قال: اذا كان البدن كالحية يلتوي، والفؤاد بنار الشوق يكتوي، فاعلم أن القلب على المحبة منطو، وكل نقمة يشاهدها المحب دون الهجر فهي نعمة، فالكل عنه عوض الا المحبوب. ألا ترى الى آدم عليه السلام شاهد العتاب والنقمة، ولكنه لما لم يكن معه هاجر، كانت منحا ونعمة، وجعل يقول رضي الله عنه:
جسد ناحل ودمع يفيض وهم قاتل وقلب مريض
وسقام على التنائي شديد وهموم وحرقة ومضيض
يا حبيب القلوب قلبي مريض والهوى قاتلي ودمعي يفيض
ان يكن عاشق طويل بلاه فبلائي بك الطويل والعريض
قال: وصاح الشيخ صيحة، فسقط ميتا، فخرجت لأنظر معي من يدفنه وأجهزه، فما وجدت أحدا.
فرجعت الى المغارة، فطلبته، فما وجدته، فبقيت متحيّرا في أمره متفكرا، فسمعت هاتفا يقول:
رفع المحب الى المحبوب وفاز بالبغية والمطلوب
ونفعنا الله ببركاته ورضي الله عنه. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:45 pm | |
| الفصل الموفى عشرين أكثر العمر قد مضى
يا أسيرا في قبضة الغفلة، يا صريعا في سكرة المهلة، يا ناقض العهد، انظر لمن عاهدت في الزمن الأول، أكثر العمر قد مضى، وانت تتعلل، يا مدعوّا الى نجاته وهو يتوانى، ما هذا الفتور والعمر قد تدانى، كأنك بالدمع يجري عند الموت هتانا.
يا أخي ما أحسن ما كنت فتغيّرت، ما أقوم جادتك، فكيف تعثرت؟ يا معشر المطرود عن رفاق التائبين { وما من غائبة في السماء والأرض الا في كتاب مبين} النمل 75.
كان بعض الأغنياء كثير الشكر فطال عليه الأمد، فبطر وعصى، فما زالت نعمته ولا تغيّرت حالته، فقال: يا رب، تغيّرت طاعتي، وما تغيّرت نعمتي، فهتف به هاتف يقول: يا هذا: ان الأيام الوصال عندنا حرمة وذمام، حفظناها نحن لك، وضيّعتها أنت لنا.
وأنشدوا:
سأترك ما بيني وبينك واقفا فان عدت عدنا والوداد سليم
تواصل قوما لا وفاء بعهدهم وتترك مثلي والحفاظ قديم
قال رجل لحاتم الأصم رضي الله عنه: أوصني بشيء أتصل به الى باب الله سبحانه وتعالى، فقد عزمت على سفر الحج.
فقال: يا أخي، ان أردت أنيسا، فاجعل القرآن أنيسك، وان أردت رفيقا، فاجعل الملائكة رفقاءك، وان أردت حبيبا، فالله سبحانه يتولى قلوب أحبابه، وان أردت الزاد، فاليقين بالله سبحانه وتعالى نعم الزاد، واجعل البيت قبلة وجهك، وطف بسرّك حوله.
وقال عطاء السليمي لعمر بن يزيد السلمي: أوصني:
فقال: يا أحمد، الدنيا بلاء في بلاء مع هوى النفس ومقارنة الشيطان، والآخرة بلاء في بلاء مع الموافقة والحساب. فيا لها من نفوس مضمحلة فيما بينهما، فحتى متى تسهو وتلعب وملك الموت في طلبك لا يغفل عنك، والملائكة يكتبون عليك أنفاسك.
قال: فخرّ مغشيا عليه.
يا من صحيفته سوداء، اغسلها بالدموع، وتعرّض لمجال المتهجدين، وقل: ضال ضل عن الطريق مقطوع، وهذا مأتم الأحزان، الى أي وقت تدّخر الدموع، هذا مجلس الشكوى، هذا وقت الرجوع.
فبادروا اخوتي، وافهموا أسرار المراد:{ فستذكرون ما أقول لكم وأفوّض أمري الى الله ان الله بصير بالعباد} غافر 44.
وأنشدوا:
ما الذنب لي فيما مضى سالفا الذنب للدهر وسوء القضا
فامنن وجد بالصفح عن مذنب معترف بالذنب فيما مضى
قد ظل من خوفك في حيرة في قلبه منك لهيب الفضا
ان كان لي ذنب فلي حرمة توجب لي منك جميل الرضا
ومن كتاب لوامع أنوار القلوب، قال الأصمعي: كنت مارا في البادية، واذا أنا بامرأة كأنها فلقة قمر، فدنوت منها، وسلمت عليها، فأحسنت اليّ الرد، ثم قلت: يا جارية، كلّي بكلّك مشغول، فقالت في الحال: كلّي لكلّك مبذول، ولكن ان أعجبك حسني فانظر خلفك فانك ترى من هي أحسن مني، فنظرت خلفي، فما رأيت أحدا، فصرخت علي وقالت: اليك عني يا بطّال، لما رأيتك من بعيد حسبتك عارفا، فلما تكلمت حسبتك وامقا، واذا بك يا مسكين لا عارفا ولا وامقا، تدّعي محبتي وتنظر الى غيري، وأنت لم تصل الى قربي، ثم ولّت عني، ورمقت الى السماء بطرفها، ونادت، آه.. آه، حب الوصال شرّدني، آه آه، خوف القطيعة أزعجني، آه من الانفصال قبل الاتصال، وجعلت تقول:
حبي في ذي القفار شرّدني آه من الحب ثم آه
خوف فراق الحبيب أزعجني آه من الخوف ثم آه
شبه حالي بتاجر غرق نجا من البحر ثم تاه
ومن الكتاب المذكور: قال سالم: بينما أنا سائر مع ذي النون المصري في جبل لبنان، اذ قال مكانك يا سالم حتى أعود اليك، فغاب عني ثلاثة أيام في الجبل، وأنا أطعم نفسي من نبات الأرض، وأسقيها من غدرانها اذا طالبتني بشيء من القوت.
فلما كان بعد ثلاثة أيام، عاد اليّ وهو متغيّر اللون، ذاهب العقل.
فقلت له: هل عارضك السبع يا أبا الفيض؟.
فقال: دعني من تخويف البشرية، اني دخلت كهفا من كهوف هذا الجبل، فرأيت فيه رجلا أبيض الرأس واللحية، أشعث أغبر، نحيفا، كأنه خرج من قبره، ذا منظر يهول وهو يصلي، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام، وقال لي: الصلاة، وقام الى الصلاة، فلم يزل راكعا ساجدا حتى صلى العصر واستند الى حجر كان بازاء محرابه، وهو لا يكلمني، فبدأته الكلام، وقلت له: يرحمك الله أوصني بشيء أنتفع به، وادع لي بدعوة.
فقال لي: يا بني، من آنسه الله سبحانه بقربه، أعطاه أربع خصال: عزا من غير عشيرة، وعلما من غير تعلّم، وغنى من غير مال، وأنسا من غير جماعة، ثم شهق شهقة لم يفق منها الا بعد ثلاثة أيام، حتى ظننت أنه ميّت، فلما أفاق قام وتوضأ من عين كانت الى جنبه وسألني عما فاته من الصلاة، فأخبرته، فقضاه، ثم قال لي:
ان ذكر الحبيب هيّج قلبي ثم حب الحبيب أذهل عقلي
وقد استوحشت من ملاقاة المخلوقين. وأنست بذكر رب العالمين، انصرف عني بسلام.
فقلت: يرحمك الله، وقفت عليك ثلاثة أيام رجاء الزيادة منك. فقال: أحبّ مولاك ولا تحب غيره، ولا ترد بحبّه بدلا، فالمحبون لله سبحانه هم تيجان العبّاد، وأعلام الزهاد، وهم أصفياء الله وأحباؤه.
ثم صرخ صرخة ووقع فحرّكته، فاذا هو ميّت، فما كان الا هنيهة، واذا بجماعة من العباد قد انحدروا من الجبل فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، فسألتهم ما اسم هذا الشيخ الصالح؟ فقالوا: شيبان المصاب.
قال سالم: فسألت عنه أهل الشام فقالوا نعم، رجل مجنون، خرج من أذى الصبيان، فقلت لهم: هل تعرفون من كلامه شيئا؟ قالوا: نعم كان اذا ضجر يقول: اا أنا بك لم أجن سيدي فبمن أجن. رحمه الله ونفعنا به. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 2:49 pm | |
| الفصل الحادي والعشرون أقوام نعمّهم مولاهم بقربه
يا أخي، لله درّ أقوام نعمّهم مولاهم بقربه، فحجبهم عن خطرات الوسواس. حمي اقليم قلوبهم من غبار الشهوات من حمايته بحراس، قبلوا أمره بالقبول، وقاموا به على العينين والرأس، قدّموا زاد الأعمال لسفر الموت وظلمة الأرماس، يا بطّال، أبطال ميدان الدّجى لله درّهم من أبطال وأفراس، خلع عليهم خلعة الرضا، ونادهم مرحبا بالأحباب الأكياس،{ كنتم خير أمة أخرجت للناس} آل عمران 110.
وأنشدوا:
أيا نفس توبي قبل أن ينكشف الغطا وأدعى الى يوم النشور وأجزع
فلله عبد خائف من ذنوبه تكاد حشاه من أسى تتقطع
اذا جنّه الليل البهيم رأيته وقد قام في محرابه يتضرّع
ينادي بذل يا الهي وسيدي ومن يهرب العاصي اليه ويفزع
قصدتك يا سؤلي ومالي مشفع سوى حسن ظني حين أرجو وأطمع
فجد لي بعفو وامح ذنبي ونجّني من النار يا مولى يضرّ وينفع
بهذا ينال الملك والفوز في غد ويجزى نعيما دائما ليس يقطع
وقف الفضل الجوهري العالم في الحرم متوجها الى الكعبة وهو محرم ثم قال بأعلى صوته:
يا تلفى بحتوف المراقبة والمعرفة، يا قتلى بسيوف المؤانسة والمحبة، يا حرقى بنار الخوف والاشتياق، ويا غرقى في بحر المشاهدة والتلاق، هذه ديار المحبوب، فأين المحبون؟ هذه أسرار القرب، فأين المشتاقون؟ هذه آثار الديار والربوع فأين القاصدون؟ هذه ساعة العرض والاطلاع على الدموع فأين الباكون؟.
ثم شهق شهقة عظيمة وغشي عليه، فأفاق بعد ساعة وهو يقول:
مذ تبدي لناظري بلبل الشوق وخاطري
حاضر غير غائب ساكن في الضمائر
هو كنزي الذي بدا في الرسوم والدوائر
قال الراوي: فدنوت منه وقلت له: يا سيدي ما علامة المحبين لله؟.
قال: ان المحبين عند ظلام الليل عند الله سبحانه وتعالى نشاطا، وبينهم وبينه انبساطا، شغلهم الأنس بمعبودهم عن لذة الكرى، وقطعهم الشغل به عن جميع الورى، ولا يؤثرون على مناجاته مناما، ولا يختارون على كلامه كلاما، عرفه من عرفه، وذاقه من ذاقه، واستأنس به من استطابه.
سبحان من حكم بالفناء على الخلائق، فتساوى عنده الملوك والعبيد، تفرّد بالبقاء، وتوحّد بالقدم، وصرف أقداره في الملك بما يريد، ظهر افتقار الكل اليه، الصالح والطالح والغويّ والرشيد، { يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن} الرحمن 29.
جواد غمر الكل عطاؤه، فأين يفر العاصي ومن يجبر الفقيد؟ كم جدّل القضاء من زعيم، وكم أدخل للحضر من طريد، ما أغفل أهل المعاصي عن قسمة العباد، فمنهم شقي ومنهم سعيد.
وأنشدوا:
احدى وستون لو مرّت على حجر لكان من حكمها أن يخلق الحجر
تؤمّل النفس آمالا لتبلغها كأنها لا ترى ما يصنع القدر
قال أبو اسحاق الجبيلي: قدمت على علي بن عبدالحميد الغضائري، فوجدته أفضل خلق الله عبادة، وأكثرهم مجاهدة، وكان لا يتفرّغ من صلاته آناء ليله ونهاره، فانتظرت فراغه. فلم أصبه ولا وجدته.
فقلت له: انّا قد تركنا الآباء والأمهات والأهلين والأوطان ولبنين والبنات بالراحلة اليك، فلو تفرّغت ساعة تحدثنا بما آتاك الله من العلم.
فقال: أدركني دعاء الشيخ الصالح سريّ السّقطي رضي الله عنه، جئت اليه وقرعت عليه الباب، فسمعته يقول قبل أن يخرج اليّ مناجيا: اللهم من جاءني يشغلني عن مناجاتك، فأشغله بك عني، فما رجعت من عنده، حتى حبّبت اليّ الصلاة والشغل بذكر الله تعالى، فلا أتفرّغ الى شيء سواه، ببركة ذلك الشيخ.
قال أبو اسحاق: فرأيت كلامه يخرج من قلب حزين، وهم كمين، والدمع يسابقه رضي الله عنه.
سبحان من ألف بحكمته بين لطائف الأرواح، وكثائف الأشباح، جعل الليل والنهار جناحي الأعمال، يطيران للفناء بلا ريش ولا جناح، سقى أرواح المحبين شراب المحبة، فلله ما أحلاه من راح، غني لهم في مجلس أنسهم معبد الوجد، فشربوا بالدّنان، لا بالأقداح، زيّنوا روضة الدجى بأزهار التهجد، واصطبحوا على الأذكار أي اصطباح، فهم بين صبوح وغبوق وبين ريحان وراح، قلوبهم في قالب الابتلاء، تنادي بلسان تصبّرهم: لا براح. خلع عليهم خلعة الرضا، وأجلسهم بين أفراح من الشوق وافتراح. نظروا الى الكون، فما رأوا سواه، فليس عليهم في هيمانهم جناح. غشي بصائرهم نور معرفته، فترنّم عارفهم بألسنة من التوحيد، فصاح.
وأنشدوا:
يا أعز الناس عندي كيف حتى خنت عهدي
سوف أشكو لك حالي فعسى شكواي تجدي
أنت مولاي تراني ودموعي فوق خدي
أقطع الليل أقاسي ما أقاسي فيه وحدي
قال ذو النون المصري رضي الله عنه: عطشت في بعض أسفاري عطشا شديدا، فعدلت الى بعض السواحل أريد الماء، فاذا أنا بشخص قد ائتزر بالحياء والاحسان، وتدرّع بدراع البكاء والأحزان، قائم على ساحل البحر يصلي، فلما سلّم دنوت منه، وسلمت عليه قال: وعليك السلام يا ذا النون.
قال: فقلت له: يرحمك الله، من أين عرفتني؟!.
قال: اطّلع شعاع أنوار المعرفة من قلبي على صفاء نور المحبة من قلبك، فعرفت روحي روحك بحقائق الأسرار، وألف سريّ سرّك في محبة العزيز الجبار.
قال: فقلت: ما اراك الا وحيدا!.
قال: ما الأنس بغير الله الا وحشة، وما التوكل بغيره الا ذل.
فقلت له: أما تنظر الى تغطغط هذا البحر، وتلاطم هذه الأمواج؟.
فقال: ما بك من العطش أكثر من ذلك.
فقلت: نعم، فدلني على الماء بقرب منه فشربت، ورجعت اليه، فوجدته يبكي بشهيق وزفير.
فقلت له: يرحمك الله، ما يبكيك؟ّ.
فقال: يا أبا الفيض، ان لله عبادا سقاهم بكأس محبته شربة أذهبت عنهم لذة الكرى.
قال: فقلت له: دلني على أهل ولاية الله يرحمك الله.
قال: هم الذين أخلصوا في الخدمة، فاستخصّوا بالولاية، وراقبوا مولاهم، ففتح لهم في نور القلوب.
قال: فقلت له: ما علامة المحبة؟.
فقال: المحب لله غريق في بحر الحزن الى قرار التحيّر.
قال: فقلت له: ما علامة المعرفة؟.
قال: العارف بالله لم يطلب مع معرفته جنّة، ولا يستعيذ من نار، فعرفه له ولم يعظم سواه معه.
ثم شهق شهقة عظيمة، فخرجت روحه، فواريته في الموضع الذي مات فيه، وانصرفت عنه، رحمه الله ونفعنا ببركاته. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:14 pm | |
| الفصل الثاني والعشرون بادروا بالمتاب وراجعوا أنفسكم قبل يوم الحساب
يا أخي لا تغسل أدناس الذنوب الا بماء المدامع، لا ينجو من قتار المعصية الا من يسارع، أحضر قلبك ساعة، عساه بنائحة الموعظة يراجع، كم لي أتلو عليك صحف الموعظة، وما أظنك سامع.
لكن يوم المعصية ما أنحسه من طالع، ويوم الطاعة مختار وكل سعد فيه طالع، أطلب، ويحك، رفاق التائبين، وجدد رسائلهم للحبيب وطالع، مصباح التقوى يدل على الجادة، وكم في ظلمة الغفلة من قاطع، ابك، ويحك، على موت قلبك وعمى بصيرتك، وكثرة الموانع. اذا لم يعظك الدهر والشيب والضعف، فما أنت صانع، فبالله يا اخواني بادروا بالمتاب، وراجعوا أنفسكم قبل يوم الحساب.
ما اعتذاري وأمر ربي عصيت حين تبدي صحائفي ما أتيت
ما اعتذاري اذا وقفت ذليلا قد نهاني ما أراني انتهيت
يا غنيا عن العباد جميعا وعليما بكل ما قد سعيت
ليس لي حجة ولا لي عذر فاعف عن زلتي وما قد جنيت
قال علي بن يحيى في كتاب لوامع أنوار القلوب: صحبت شيخا من عسقلان سريع الدمعة، حسن الخدمة، كامل الأدب، متهجدا بالليل متنسكا في النهار، وكنت أسمع أكثر دعائه الاعتذار والاستغفار، فدخل يوما في بعض كهوف جبل اللكام وغيرانه، فلما أمسى رأيت أهل الجبل وأصحاب الصوامع يهرولون اليه، ويتبركون بدعائه، فلما اصبح وعزم على الخروج، قام أحدهم، وقال: عظني، قال: عليك بالاعتذار، فانه ان قبل عذرك وفزت بالمغفرة، سلك بك الى درجات المقامات، فوجدتها أمانيك، ثم بكى وشهق وخرج من الموضع، فلم يلبث الا قليلا حتى مات.
قال: فرأيته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: حبيبي أكرم من أن يعتذر اليه مذنب، فيخيب ظنه ولم يقبل عذره. قبل الله عذري وغفر ذنبي، وشفّعني في أصحاب اللكام.
لا شيء أعظم من ذنبي سوى أملي في حسن عفوك عن جرمي وعن عملي
فان يكن ذا وذا فالذنب قد عظما فأنت أعظم من ذنبي ومن زللي
ويروى عن يوسف بن عاصم أنه ذكر له عن حاتم الأصم أنه كان يتكلم على الناس في الزهد، والاخلاص، فقال يوسف لأصحابه: اذهبوا بنا اليه نساله عن صلاته ان كان يكملها، وان لم يكن يكملها، نهيناه عن ذلك.
قال: فأتوه وقال له يوسف: يا حاتم، جئنا نسألك عن صلاتك، فقال له حاتم: عن أي شيء تسألني عافاك الله؟ عن معرفتها أو عن تأديتها؟
فالتفت يوسف الى أصحابه، وقال لهم: زادنا حاتم ما لم نحسن أن نسأله عنه. ثم قال لحاتم: نبدأ بتأديتها.
فقال لهم: تقوم بالأمر. وتقف بالاحتساب وتدخل بالسنة، وتكبّر بالتعظيم، وتقرأ بالترتيل، وتركع بالخشوع، وتسجد بالخضوع، وترفع بالسكينة، وتتشهد بالاخلاص، وتسلم بالرحمة.
قال يوسف: هذا التأديب فما المعرفة؟.
قال: اذا قمت اليها فاعلم أن الله مقبل عليك، فأقبل على من هو مقبل عليك، واعلم أن جهة التصديق لقلبك، أنه قريب منك، قادر عليك، فاذا ركعت: فلا تؤمّل أن تقوم. ومثل الجنة عن يمينك، والنار عن يسارك، والصراط تحت قدميك، فاذا فعلت فأنت مصل. فالتفت يوسف الى أصحابه، وقال: قوموا نعيد الصلاة التي مضت من أعمارنا.
يا من مات قلبه، أي شيء تنفع حياة البدن اذا لم تفرّق بين القبيح والحسن.
سلبك المشيب من الشباب، فأين البكاء، وأين الحزن؟ اذا كان القلب خرابا من التقوى، فما ينفع البكاء في الدّمن. يا قتيل الهجران، هذا أوان الصلح بادر عسى يزول الحزن.
وقال عاصم بن محمد في كتاب لوامع أنوار القلوب: كان لي معامل يهودي، فرأيته بمكة متضرعا مبتهلا فأعجبني حسن اسلامه. فسألته عن سبب اسلامه.
فقال: تقدّمت الى أبي اسحاق ابراهيم الآحري النيسابوري، وهو يوقد في تنّور الآجر، اطلب دينا كان لي عليه، فقال لي: أسلم، واحذر نارا وقودها الناس والحجارة، فقلت: لا بأس عليك يا أبا اسحاق، فأنت أيضا فيها. قال: فعسى تعني قوله سبحانه{ وان منكم الا واردها} مريم 71. فقلت: نعم. فقال لي: أعطني ثوبك، فأعطيته ثوبي، ثم لف ثوبي في ثوبه، ثم رمى بهما في التنور، وصبر ساعة طويلة ثم قام واجدا شاهقا، باكيا ودخل في الأتون، يعني مستوقد النار وهي تتأجج لهيبا وزفيرا، وأخذ الثياب من وسط النار، وخرج على الباب الآخر، فهالني ذلك من فعله، فهرولت اليه متعجبا، واذا بالرزمة صحيحة كما كانت، فحلها، واذا بثيابي قد احترقت كأنها فحمة في وسط ثيابه، وثيابه صحيحة لم تمسها النار.
ثم قال: يا مسكين، هكذا يكون{ وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا} مريم 71.
فأسلمت على يديه في الحال، وهذا ما رأيت من احوال الرجال.
لله درّ قوم ملأ قلوبهم بأنوار الحكمة والرشاد، حرّك ساكنا وجدهم، فتمايلهم كالغصن الميّاد، صفت زجاجة أرواحهم ورقّ لهم شراب وجدهم، وطاب لهم سماع الانشاد.
ادار عليهم حميا الحماية، فألفت عيونهم السهاد، فمنهم سكران ونشوان، وكل أيامهم بمحبوبهم أعياد.
مدّ عليهم أطناب ليل الخلوة غيرة من رقيب الرقاد، فهم يتشاكون الشواق بنفس تلف في محبة أو كاد.
والمحروم نهاره في الشقا وليله في النوم، وعمره في نفاد ركب مركب القضاء للمحنة، ففي أصل تركيبة فساد. ضيّع أيامه في الغفلة، وفي الكبر يبكي على فائت لا يعاد.
فيا معشر المذنبين جدّوا قبل الرحيل عن الأجساد.
قال يوسف بن الحسن: كنت أسير في طريق الشام، اذ عرض لي عارض، فعدلت عن الطريق فهالتني المفازة، فبدت لي صومعة، فدنوت منها، واذا براهب فيها قد أخرج رأسه منها، فأنست به، فلما دنوت منه، قال لي: يا هذا، أتريد موضع صاحبكم؟.
قال: رجل في هذا الوادي على دينكم، متخل عن فتنة الأقران، منفرد بنفسه في ذلك المكان، واشوقاه الى حديثه!.
فقلت له: وما الذي يمنعك عنه، وأنت على قرب منه؟.
فقال: أصحابي أقعدوني في هذا الموضع، وأنا أخشى على نفسي القتل منهم، ولكن اذا مضيت اليه فأقرئه مني السلام، واساله لي في الدعاء.
قال: فمضيت اليه، واذا برجل قد اجتمعت اليه الوحوش، فلما رآني قرب مني وكنت أسمع جلبة عظيمة للقوم، ولا أرى أحدا منهم، فسمعت قائلا يقول: من هذا البطال الذي وطيء محل العاملين؟.
فرأيت رجلا منكّسا راسه مسترسلا في كلامه، تعلوه هيبة ووقار شديد. فسمعته يقول: لك الحمد على ما وهبت من معرفتك، وخصصتني به من محبتك، لك الحمد على آلائك، وعلى جميع بلائك. اللهم ارفع درجتي الى درجات الأبرار للرضا بحكمك، وانقلني الى درجة الأخيار.
ثم صاح صيحة عظيمة، ثم قال: آه من لي بهم، وخرّ مغشيا عليه، فلم يتحرّك لساني هيبة له، فلما أفاق من غشيته، قال لي: سر زودّك الله التقوى، وسار عني وتركني.
نفعنا الله به، وبأمثاله... آمين. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:16 pm | |
| الفصل الثالث والعشرون متى تقف بالباب؟
يا من سوّف بالمتاب حتى شاب، يا من ضيّع في الغفلة أيام الشباب، يا مطرودا بذنوبه عن الباب، اذا كنت في الشباب غافلا، في المشيب مسوّفا، متى تقف بالباب؟ كم عوملت على الوفاء؟ ما هكذا فعل الأحباب، الظاهر منك عامر، والباطن ويحك، خراب، كم عصيان كم مخالفة، كم رياء, كم حجاب؟ ولّى طيب العمر في الخطايا، يا ترى تعود الى الصواب؟.
ما بعد الشيب لهو، كيف يجمل بالشيخ التصاب؟ أنت لو قدمت في متقادم عمرك الطاعة، لخفف عنك الحساب. كيف والعمر ولى في الغفلة وفي طلب الأسباب؟ اذا أنذرك المشيب بالرحلة، ولم تقدّم الزاد ماذا يكون الجواب.
ليت شعري أهل المعاصي كيف عيشهم يطيب { ولو ترى اذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} سبأ 51.
يروى أن محمد بن واسع رأى شبابا في المسجد، قد خاضوا في بحر الغيبة والضلالة، فقال لهم: أيجمل بأحدكم أن يكون له حبيب، فيخالفه ليفوز به غيره؟ فقالوا: لا. فقال: أنتم قعود في بيت الله تخالفون أمره، وتغتابون الناس. فقالوا: قد تبنا. فقال: يا أولادي، هو ربكم وحبيبكم، واذا عصيتموه، وأطاعه غيركم، خسرتموه. وربحه غيركم، أفلا يضرّكم ذلك؟ قالوا: نعم. فقال: ومن خالفه، وربما يعاقبه لو عاقبه، أفلا تغيرون على شبابكم كيف يعاقب بالنار والعذاب وغيركم يفوز بالجنة والثواب. قالوا: نعم وحسن رجوعهم الى اله تعالى.
وأنشوا:
ألا فاسلك الى المولى سبيلا ولا تطلب سوى التقوى دليلا
وسر فيها بجد وانتهاض تجد فيها المنى عرضا وطولا
ولا تركن الى الدنيا وعوّل على مولاك واجعله وكيلا
وان أحببت أن تعتزّ عزا يدوم فكن له عبدا ذليلا
وواصل من أناب اليه واقطع وصال المسرفين تكن نبيلا
ولا تفني شبابك واغتنمه ومثل بين عينيك الرحيلا
ولا تصل الدنيا واهجر بنيها على طبقاتهم هجرا جميلا
وعامل فيهم المولى بصدق يضع لك في قلوبهم القبولا
ومن كتاب أنس المريدين وقدوة الزاهدين: قال يزيد بن الحباب: مررت بحمدونه المجنونة وهي قاعدة على قارعة الطريق وعليها جبّة صوف مكتوب بين كتفيها، بمداد هذا البيت المفرد:
سلب الرقاد عن الجفون تشوقي فمتى اللقا يا وارث الأموات
قال: فسلمت عليها، فردت السلام، فقالت: ألست أنت يزيد بن الحباب؟ قلت: لها، نعم، فبم عرفتيني؟! قالت: اتصلت المعرفة في الأسرار، فعرفتك بتعريف الملك الجبار، ثم قالت: أسالك. قلت: اسالي. قالت: ما هو السخاء في الدين؟ قلت لها: المسارعة الى طاعة المولى. قالت: يا يزيد. آه آه، ليس هذا مسارعة، انما المسارعة الى طاعة الله أن لا يطلع على قلبك وأنت تريد منه شيئا بشيء، ثم أنشأت تقول هذين البيتين:
حسب من الحبيب بعلمه أن المحب ببابه مطروح
فاذا تقلب في الدنا ففؤاده بسهام لوعات الهوى مجروح
ويروى عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قرأ{ واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} البقرة 281، فقال: هذه موعظة وعظ الله بها المسلمين، وذلك أن الحور العين تقول لولي الله، وهو متكئ على نهر العسل وهي تعطيه الكأس، وهما في سرور ونعيم: أتدري يا حبيب الله متى زوجنيك الله ربي؟ فيقول: لاأدري. فتقول: نظر اليك في يوم صائف بعيد ما بين الطرفين وأنت في ظمأ الهواجر، فتباهى بك الملائكة، وقال: أنظروا يا ملائكتي الى عبدي، ترك شهوته ولذته، وزوجته وطعامه وشرابه رغبة فيما عندي، أشهدكم أني قد غفرت له، فغفر لك يومئذ وزوجنيك.
لله درّ أقوام لا طفهم بأنسه، فتقرّبوا اليه بقلب سليم، أذاقهم حلاوة مناجاته، فكل منهم بحبه يهيم، أسكن قلوبهم حبه، فليلهم بالأشواق ليل سليم، طهرها من الهوى، فحب الدنيا عنها راحل، وحب الآخرة مقيم على كل حال لا يعرفون سواه، فأهلا به من تنعّم، وأهلا به من نعيم.
للصالحين كرامات وأسرار لهم من الله تخصيص وآثار
صفت قلوبهم لله واتصفت بالصدق واكتنفت بالنور أنوار
واستغرقت كل وقت من زمانهم في طاعة الله أوراد وأذكار
صاموا النهار وقاموا الليل ما سئموا حتى تعرّفت على الظلماء أسحار
خلو به وراق الليل منسدل حتى لهم قد تجلت منه أنوار
طوبى لهم فلقد طابت حياتهم وشرّفت لهم في الناس أقدار
فازوا من الله بالزلفى وأسكنهم جنات عدن فنعم الدار والجار
ويروى عن ابراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه كان على بعض جبال مكة يحدّث أصحابه، فقال: لو أن وليا من أولياء الله تعالى قال لهذا الجبل: زل، لزال فتحرّك الجبل، فضربه ابراهيم برجله، وقال له اسكن، انما ضربتك مثلا لأصحابي.
وروي عنه أيضا أنه ركب البحر فتحرك ريح عاصف فوضع ابراهيم رأسه ونام، فقال أصحابه: أما ترى ما نحن فيه من الشدة، فقال: أوهذه شدة؟ قالوا: نعم، قال: لا، وانما الشدة الحاجة للناس، ثم قال: الهي، أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك، فصار البحر كأنه قدح زيت.
وعنه أيضا أنه كان في بعض الطرق مع أصحابه، فتعرّض لهم أسد، فقال له أصحابه: يا ابراهيم، هذا السبع قد ظهر لنا، فقال: أرونيه، فلما نظر اليه ابراهيم، قال: يا قسورة، ان كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، والا فتنحّ عنا.
قال: فضرب الأسد بذنبه، وولى هاربا، فتعجبنا منه حين فقه كلام ابراهيم، رضي الله عنه ونفعنا به. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:19 pm | |
| الفصل الخامس والعشرون جعلوا قرّة أعينهم في الصلاة
يا اخي، أفنيت عمرك في اللعب، وغيرك فاز بالمقصود وأنت منه بعيد، غيرك على الجادة، وأنت من الشهوات في أوجال وتنكيد، ترى متى يقال: فلان استقال ورجع. يا له من وقت سعيد، متى تخرج من الهوى وترجع الى مولاك العزيز الحميد، يا مسكين، لو عاينت قلق التائبين، وتململ الخائفين من أهوال الوعيد، جعلوا قرّة أعينهم في الصلاة، والزكاة، والتزهيد، واهل الحرمان ضيعوا الشباب في الغفلة، والشيب في الحرص والأمل المديد، لا بالشباب انتفعت، ولا عند المشيب ارتجعت، يا ضيعة الشباب والمشيب:{ ولو ترى اذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب سبأ 51.
وأنشدوا:
عملت على القبائح في شبابي فلما شبت عدت الى الرياء
فلا حين الشباب حفظت ديني ولا حين المشيب طببت دائي
فشاب عند مصغره غويّ وشيخ عند مكبره مرائي
قضاء سابق في علم غيب فيا لله من سوء القضاء
يروى في بعض الأخبار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي حذيفة بن اليمان وهو يومئذ أمير المؤمنين، فقال لحذيفة: كيف أصبحت يا حذيفة؟ قال: أصبحت يا أمير المؤمنين أحب الفتنة، وأكره الحق، وأقول بما لم يخلق، وأشهد بما لم أر، وأصلي بلا وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء.
فغضب عمر لذلك غضبا شديدا، وهمّ أن يبطش به، ثم تذكر صحبته من النبي، فأمسك، فهو كذلك اذ مرّ به عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه، فرأى الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك يا امير المؤمنين، فقصّ عليه القصّة.
فقال: يا أمير المؤمنين لا يغضبك ذلك، أما قوله: انه يحب الفتنة، فهو تأويل قوله تعالى:{ انما أموالكم وأولادكم فتنة} التغابن 15.
أما قوله: يكره الحق، فالحق هو الموت الذي لا بدّ منه ولا محيص عنه.
وأما قوله: يقول بما لم يخلق: القرآن، فهو يقرأ القرآن وهو غير مخلوق.
وأما قوله: يشهد بما لم ير، فانه يصدق بالله ولم يره.
واما قولك: يصلي بغير وضوء، فانه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بغير وضوء.
وأما قوله: ان له في الأرض ما ليس لله في السماء، فان له زوجة وبنين، وليس لله شيء من ذلك.
فقال عمر: لله درّك: يا أبا الحسن، لقد كشفت عني هما عظيما.
ويروى أن رجلا من أهل دمشق يسمى بأبي عبد ربه، وكان أكثر أهل دمشق مالا، وأنه خرج مسافرا، فأمسى الى جانب نهر ومرعى، فنزل فيه، فسمع صوتا يكثر حمدا لله في ناحية المرج. قال: فاتبعته، فوجدته رجلا ملفوفا في حصير، قال: فسلمت عليه، وقلت له: من أنت يا عبدالله؟.
قال: رجل من المسلمين.
فقلت له: فما هذه الحالة؟
قال: نعمة يجب عليّ شكرها.
فقلت: كيف وأنت ملفوف في حصير وأي نعمة عليك؟!.
قال: ان الله خلقني، فأحسن خلقي، وجعل منشأي ومولدي في الاسلام، وألبسني العافية في أركاني، وستر عليّ ما أكره ذكره، فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه؟.
فقلنا: رحمك الله، لعلك أن تقوم معي الى منزلي، فأنا نزول على النهر هاهنا بازائك.
قال: ولم؟.
قلت: لتصيب شيئا من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير.
قال: ما لي في ذلك من حاجة.
فأبى أن يسير معي، فانصرفت وقد تقاصرت عندي نفسي ومقتها، وقلت: لم أخلّف بدمشق رجلا أكثر مني مالا، وأنا ألتمس الزيادة.
فقلت: اللهم اني أتوب اليك مما أنا فيه، فتبت ولم يعلم أحد بما اجتمعت عليه، فلما كان في السحر، رحل الناس، وقدّموا اليّ دابتي، فصرفتها الى دمشق، وقلت: ما أنا بصادق في التوبة ان أنا مضيت الى متجري، فسألني القوم فأخبرتهم، فعاتبوني على المشي معهم فأبيت.
فلما قدم على دمشق قال ناقل الحديث: فوضع يده في ماله وتصدق به، وفرّقه في سبيل الله، ولزم العبادة حتى توفي رضي الله عنه، فلما توفي لم يوجد عنده الا قدر حق الكفن.
وأنشدوا:
ذكر الوعيد فطرفه لا يهجع وجفا الرّقاد فبان عنه المضجع
متفرّدا بغليله يشكو الذي منه الجوانح والحشا يتوجع
لما تيقّن صدق ما جاءت به الـ آيات صار الى الانابة يسرع
فجفا الأحبّة في محبّة ربّه وسما اليه بهمّة ما يقلع
وتمتعت بوداده أعضاؤه اذ خصّها منه بودّ ينفع
كم في الظلام له اذا نام الورى من زفرة في اثرها يتوجّع
ويقول في دعواته يا سيدي العين يسعدها دموع رجع
اني فزعت اليك فارحم عبرتي واليك من ذلّ الخطيئة أفزع
من ذا سواك يجيرني من ذلتي يا من لعزته أذلّ وأخضع
فامنن عليّ بتوبة أحيا بها اني بما اجترمت يداي مروّع
قل التصبّر عنك يا من حبّه في الجارحات سقامه يتسرّع
كيف اصطبار متيّم في حبّه قدما لكاسات الهوى يتجرّع
لاحت وعن صدق المحبة ما بدت للناظرين نجوم ليل تطلع
ما الفوز الا في محبّة سيده فيها المحبّ اذا تواضع يرفع
يروى أن قتادة بن النعمان الأنصاري رضي الله عنه كان من الرماة المذكورين، شهد بدرا وأحدا، ورميت يومئذ عينه، فسالت على خدّه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهي في يده، فقال: ما هذه يا قتادة؟ قال: هذا ما ترى يا رسول الله، فقال له رسول الله:" ان شئت صبرت ولك الجنة، وان شئت رددتها لك ودعوت الله لك فلم تفقد منها شيئا"، فقال: والله يا رسول الله ان الجنة لجزاء جزيل، وعطاء جليل، ولكني مبتلى بحب النساء، وأخاف أن يقلن: أعور فلا يردنني، ولكن أحبّ أن تردّها اليّ وتسأل الله لي الجنة، فقال:" أفعل ذلك يا قتادة" ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأعادها الى موضعها، فعادت أحسن ما كانت ، الى أن مات ودعا الله له بالجنة.
قال: فدخل ابنه على عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، وهو خليفة فقال له عمر: من أنت يا فتى؟ فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه فردّت بكف المصطفى أحسن ردا
فعادت كما كانت بأحسن حالها فيا حسن ما عين ويا حسن ما ردّ
فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل اليه المتوسلون، رضي الله عنه. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:21 pm | |
| الفصل الرابع والعشرون يا قليل الهمة يا طريد
يا راحلا بلا زاد والسفر بعيد، العين جامدة والقلب أقسى من الحديد. من ألوى منك بالضراء وأنت تغرق في بحر المعاصي في كل يوم جديد. ما أيقظك الشباب ولا أنذرك الاكتهال، ولا نهاك المشيب، ما أرى صلاحك الا بعيد، فديت أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل المزيد، طووا فراش النوم، فلهم بكاء وتعديد، دموعهم تجري على خدودهم، خدّدت في الخدود أي تخديد، ما أنت من أهل المحبة ولا من العشاق يا قليل الهمة يا طريد.
لأمر ما تغيرا الليالي وأنت على البطالة لا تبالي
تبيت منعّما في خفض عيش وتصبح في هواك رخيّ بال
ألم تر ان أثقال الخطايا على كتفيك أمثال الجبال
أتكسب ما اكتسبت ولا تبالي هل هو من حرام أو من حلال
اذا ما كنت في الدنيا بصيرا كففت النفس عن طرق الضلال
ألا بأبي خليل بات يحيى طويل الليل بالسبع الطوال
بقلب لا يفيق عن اضطراب وجفن لا يكف عن انهمال
أرى الأيام تنقلنا وشيكا الى الأجداث حالا بعد حال
سأقنع ما حييت بشطر بر أشيّعه بريّ من زلال
اذا كان المصيرالى هلاك فما لي والتنعّم ثم ما لي
أما لي عبرة فيمن تفانى على الأيام من عم وخال
كأن بنسوتي قد قمن خلفي ونعشي فوق أعناق الرجال
يعجلن المسير ولست أدري لدار الفوز أم دار النكال
يبيد الكل منا دون شك ويبقى الله بري ذو الجلال
يروى عن رجل من أصحاب داود الطائي أنه قال: دخلت على داود، فقال لي: ما حاجتك؟ قلت: زيارتك، فقال: أما انت، فقد عملت خيرا حين زرتنا، ولكن أنظر ما ينزل بي اذا قيل لي: من أنت فتزار، أمن العبّاد أنت؟ لا والله. أمن الزهاد أنت؟ لا والله، ثم أقبل يوبّخ نفسه ويقول: كنت في الشباب فاسقا، وفي الكهولة مداهنا، فلما شخت صرت مرائيا. لا والله، الا المرائي أشد من الفاسق، وجعل يقول: يا اله السموات والأرض، هب لي رحمة من عندك تصلح شبابي وتقيني من كل سوء، وتعلى في أعلى مقامات الصالحين مكاني.
اسمع يا أخي مقامات الرجال، وكرامات ذوي الأحوال، الذين اختصهم مولاهم وحباهم بالافضال.
وعن عبدالله بن عبدالرحمن قال: حج سفيان الثوري مع شيبان الراعي، فعرض لهم أسد في بعض الطرق، فقال له سفيان: أم ترى كيف قطع علينا الطريق، وأخاف الناس. قال شيبان: لا تخف، فلما سمع الأسد كلام شيبان، بصبص اليه، وأخذ شيبان بأذنه وفركها، فبصبص وحرك ذنبه وولى هاربا، فقال سفيان: ما هذه الشهرة يا شيبان؟ قال: أو هذه شهرة يا سفيان؟ لولا مكان الشهرة لوضعت زادي على ظهره حتى أتيت مكة.
يروى عن عبدالرحمن بن أبي عباد المكّي أنه قال: قدم علينا شيخ يكنى بأبي عبدالله. قال: أقبلت في السحر الى بئر زمزم، واذا بشيخ قد سدل ثوبه على وجهه، وأتى البئر واستسقى، قال: فقمت الى فضلته، فشربت منها. فاذا هو ماء مضروب بعسل لم اذق ماء أطيب منه. فالتفتّ فاذا بالشيخ قد ذهب، فلما كان في السحر في الليلة الثانية أتيت البئر واذا بالشيخ دخل من باب المسجد قد سدل ثوبه على وجهه، فأتى البئر واستسقى، فشرب وخرج، فقمت الى فضلته، فاذا هو سويق ألذ ما يكون، فلما كان في الليلة الثالثة، أتى البئر أيضا، واستسقى. فأخذت طرف ملحفته، ولففته على يدي، ثم شربت فضلته، فاذا هو لبن مضروب بسكر لم أذق قط أطيب منه، فقلت يا شيخ، بحق هذا البيت عليك، من أنت؟ قال: تكتم عليّ. قلت: نعم. قال: سفيان الثوري.
لله درّ أقوام أفناهم شهوده عن وجودهم، فحالهم لشوقه مستديم، أقطعهم اقليم الكرى ما أبعده من اقليم، حماهم عن الأغيار غيرة عليهم، وخلع عليهم حلل الرضا والتسليم، سقاهم مدام الالهام، فيا له من مدام، ويا له من نديم، أسبل على المعاصي ستره، ليعود الى بابه الكريم، تقرّب برحمته للمذنبين، ليسكن روع المفلس من الطاعة العديم، أرسل اليه رسائل اللطف على يدي رسول كريم: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم} الزمر 53.
وأنشدوا:
ألا قف بباب الجود واقرعه نادما تجده متى جئته غير مرتج
وقل عبد سوء خوّفته ذنوبه فمدّ اليكم ضارعا كف مرتجي
ويروى عن أبي ريحانة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر، فكان يخيط في السفينة، فسقطت ابرته، فقال: أعزم عليك يا ربّ الا رددت عليّ ابرتي، فظهرت له حتى أخذها بيده.
قال: واشتد عليهم البحر، فقال له: اسكن، انما أنت عبد حبشيّ، فسكن حتى صار مثل الزيت، رضي الله عنه، ونفعنا ببركاته. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:25 pm | |
| الفصل السادس والعشرون ما أطيب عيش الصدّيقين
يا هذا، لا يزال التائبون يهربون الى دير الخلوة هروب الخائف الى دار الأمان، لهم في سحر الليل تأنس بمدامع الأجفان، كتب السجود في ألواح جباههم خطوط العرفان، كم لأقدامهم في الدجى من جولان وكم لهم في وادي السحر من عيون تجري كالطوفان، فاذا لاحت أعلام الفجر كبّروا عند مشاهدة العيان، فديت طراق الدجى، فديت أرباب العزائم، فديت الفتيان.
بادروا رواهب الخلوة، نحن لكم جيران، تركنا الأسباب والأهل والأوطان، فرقنا شهوات النفوس والأبدان، وخرّبنا ديار اللهو، فأقفرت منذ زمان، طلقنا الدنيا بتاتا، وهجرنا الدار والسكان، سقينا من شراب الأنس شربة ولو كان ما كان، لبسوا حلة الجوع بالنهار، وتركوا خدمة من جلّ وهان، عمروا القلوب بالتقوى، وبالذكر اللسان، لهم تزاحم على باب الدجى، فمنهم من صاح ومنهم نشوان، ومنهم من خامره بالشوق، فهو من الحب ولهان، ومنهم من غلبه الوجد، فهو هائم سكران، أفناهم الخوف وأذبلهم الأرق وهم من القلق كل يوم في شأن. سيّرهم ذكر الحبيب ولهم في التلاوة ألحان، نالوا منازل التوكل، وأصبحوا فيها قطان، باعوا شهوات النفوس بأبخس الأثمان، سجلوا على أنفسهم سجل الرضا بالقضاء، فأهلا بالرجال الشجعان، تتجافى جنوبهم عن المضاجع ولهم تلحين بالقرآن، خامرهم الخوف فسكروا من شرابه مخافة النيران، منهم من سقي شراب المحبة صرفا، وتزايدت لهم الأحزان، ومنهم من مزج له بالأشواق، فعاين منه ألوان، كم خرّبوا في حبه منازل، وكم أيتموا فيه من ولدان. تراهم أبدا سكارى عرايا في القفار وفي البلدان. قلوبهم مملوءة بالخوف، وظاهرهم مضمّخ بالأحزان، ينادي لسان شوقهم: لا كان من ألم السلوى ولا كان، خرق لهم حجاب العادات وعقد على رؤوسهم للولاية تيجان، مجلس أنسهم مضمخ بالمشاهدة شديدة الأركان.
يا معشر الفقراء، طوفوا بهذا الدير، وزاحموا على بابه، وباكروا هذه الدنّات، طيبوا على هذا السماع، وتواجدوا على هذه الألحان، معكم جمال المحبوب، في الكون والحال.
يا معشر الفتيان، ما أطيب عيش الصدّيقين، شربوا هذا الشراب وباحوا بالكتمان، فما تراهم الا بين واجد وهائم وخائف وراج وولهان.
فعندما تجلى لهم محبوبهم في قلوبهم، أغناهم عن مشاهدة العيان. لاطفهم بملاطفة: يا عبادي لا خوف عليكم، اليوم لكم الأمان. بعيني ما تحملتم من أجلي، فكم من جفنت ساهر، وكم من كبد من الشوق ملآن، سأكشف لكم لمألم الحجاب عن وجهي فتتنعمون بما لم يخطر على قلب انسان. ألبسكم حلل الرضا، وأبسط مجالسكم بالرضوان، أسقيكم شراب التوحيد صرفا خالصا، وانا الحنّان المنّان.
يا أهل السماع تواجدوا، ويا معشر الاخوان، أين المشتاق؟ هذا الشراب، هذا كأس المتاب ملآن.
أين أنت من أهل الصفا يا مضيّعا عمره في العصيان؟ بادر قبل تغيّر الحال، فتعود بالخيبة والخسران، واعص من لامك وخالف من عدلك، وأطع من نصحك ودع قالا وقيلا.
{ فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا} الاسراء 71ـ 72.
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فقام في الركعة الأولى، حتى ظننا أنه لا يرفع رأسه، فرفع رأسه، ورفعنا بعده، فلما قضيت الصلاة، انفتل من محرابه صلى الله عليه وسلم وقال:" أين أخي وابن عمي علي ابن أبي طالب؟" فأجابه علي رضي الله عنه من آخر الصفوف، وهو يقول لبيك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أدن مني يا أبا الحسن"، فدنا منه، فلم يزل يدنيه حتى جلس بين يديه. فقال:" يا أبا الحسن، أما سمعت ما أنزل الله عليّ في فضل الصف الأول، والتكبيرة الأولى؟" فقال: بلى يا رسول الله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فما الذي أبطأك عن الصف الأول والتكبيرة الأولى، فهل شغلك حب الحسن والحسين عن ذلك؟" فقال له علي رضي الله عنه: وهل يشغلني حبهما عن حب الله تعالى؟! قال له:" فما الذي شغلك عن ذلك يا عليّ" قال: يا رسول الله، أذن بلال وأنا في المسجد، فركعت ركعتين، وأقام بلال الصلاة فكبّرت معك التكبيرة الأولى، فوسوسني شيء من أمر الوضوء، فخرجت من المسجد الى منول فاطمة رضي الله عنها، فناديت، يا حسن، يا حسين، فلم يجيبني أحد، فبينما أنا كالمرأة الثكلى، أو كالحبة في المقلى، وأنا أطلب ماء لوضوئي، اذ هتف بي هاتف عن يميني، فاذا أنا بقدح من الذهب الأحمر، وعليه منديل أخضر، فكشفت المنديل، فاذا هو ماء أشد بياضا من اللبن، وأحلى من الشهد، وألين من الزبد، فتطهرت للصلاة، تمندلت بالمنديل، ورددته على القدح، والتفت فلم أره، ولم أر من وضعه ولا من رفعه.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:" بخ بخ، هل تعلم من اتاك بالمنديل والقدح يا أبا الحسن؟" قال: الله ورسوله أعلم. قال:" أتاك بالقدح جبريل عليه السلام، والماء من حظيرة القدس، والذي مندلك بالمنديل ميكائيل عليه السلام، والذي أمسك يدي على ركبتي حتى أدركت الركعة الأولى اسرافيل عليه السلام. يا أبا الحسن من أحبّك، أحبّه الله، ومن أبغضك أبغضه الله".
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم مع أصحابه، فاذا بيهودية قد أقبلت تبكي، حتى وقفت بين يديه، وجعلت تقول هذه الأبيات، وهي تبكي:
بأبي أفديك يا نور الفلك ليت شعري أن شيء قتلك
غبت عني غيبة موحشة أترى ذئب يهودي أكلك
ان تكن ميتا فما اسرع ما كان من أمر الليالي من اجلك
أو تكن حيا فلا بدّ لمن عاش أن يرجع من حيث سلك
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مالك أيتها المرأة؟"
قالت: يا محمد بينما أنا وولدي يلعب بين يدي، اذ خطف، وبقي المكان منه بلقعة.
قال لها:" يا هذه ان ردّ الله ولدك على يدي، أتؤمنين بي؟"
قالت: نعم وحق الأنبياء الكرام، ابراهيم، واسحاق، ويعقوب عليهم الصلاة والسلام.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين، ثم دعا بدعوات، فما استكملها حتى وضع الطفل بين يديه صلى الله عليه وسلم.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" أين كنت أيها الطفل؟"
قال: بينما كنت ألعب بين أمي، اذا أقبل عليّ عفريت كافر، فاختطفني وذهب بي من وراء البحر، فلما دعوت الله عز وجل، سلط الله عليه جنا مؤمنا أشد منه بطشا، وأعظم خلقا فانتزعني منه، وساقني اليك، فها أنا بين يديك صلى الله عليك.
فقلت المرأة: أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:28 pm | |
| الفصل السابع والعشرون الزنى من أكبر الكبائر
اعلم أن الزنى من أكبر الكبائر، وهو شؤم على صاحبه في الدنيا والآخرة، ووبال على صاحبه.
وقد نهى الله تعالى عنه في مواضع من كتابه، فقال تعالى:{ ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وشاء سبيلا} الاسراء 32. وقال تعالى:{ والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون 5، 7.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" أخرجه مسلم 58، أراد بذلك أن الزاني مبعد عن الله تعالى، مستوجب المقت من الله عز وجل.
وفي الخبر أن شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أتأذن لي في الزنى، فصاح الناس به، فقال:" اتركوه، أدن مني"، فقال:" أتحبه لأمك؟" قال: لا، جعلني الله فداك. قال:" كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، ثم قال له أتحبه لأبنتك؟" قال: لا. قال:" كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم". حتى ذكر الأخت، والخالات والعمات وهو يقول: لا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" كذلك الناس لا يحبونه"، ثم وضع يده الكريمة على صدره، وقال:" اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه"، فلم يكن بعد ذلك شيء أبغض اليه من الزنى. رواه أحمد واسناده صحصح.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لما خلقت المرأة، قال لها ابليس: أنت نصف جندي، وأنت موضع سري، وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطئ" فتحفظ رحمك الله من سهام الشيطان.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الزنى من أكبر الكبائر، والزاني عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين الى يوم القيامة، فان تاب، تاب الله عليه" أبو داود 4690.
وقال صلى الله عليه وسلم:" من علامة المؤمن أن يجعل الله شهوته في الصلاة والصيام، وعلامة المنافق أن يجعل الله شهوته في بطنه وفرجه".
وقال صلى الله عليه وسلم:" الزنى يورث الفقر، ويذهب بهاء الوجه" يقول تعالى:" آليت على نفسي أن أفقر الزاني ولو بعد حين". والزنى يذهب بالمال، وبنور الوجه، ويخلد صاحبه في النار.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه:" ما لقي الله العبد بذنب بعد الشرك بالله، أعظم من الزنى، ومن امرئ يضع نطفته في رحم حرام، وان الزاني يسيل من فرجه يوم القيامة صديد لو وضعت منه قطرة على وجه الأرض، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم نتنا". وقال صلى الله عليه وسلم:" اياكم والزنى فانه ذهاب البهاء، وطول الفقر، وقصار العمر، وأما اللواتي في الآخرة فسخط الله، وسوء الحساب، والخلود في النار".
يا من عصى الله في الشباب وقد أدركه الشيب راقب الله
صحفك بالسيئات قد ملئت بأي وجه تراك تقراها
أعدد جوابا اذا سئلت غدا وقرّب النار منك مولاها
يا معشر المسلمين كم رجل تلومه النار حين يصلاها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد أغير من الله تعالى أن يرى عبده أو أمته يزني، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ألا وان في النار لتوابيت من نار، فيها أقوام محبوسون في تلك التوابيت، فاذا سألوا الراحة، فتحت لهم تلك التوابيت فاذا فتحت بلغ شررها أهل جهنم، فيستغيث أهل جهنم بصوت واحد، ويقولون: اللهم العن اهل التوابيت، وهم الذين يغتصبون فروج النساء حراما".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ان الله لما خلق الجنة، قال لها: تكلمي. قالت: سعد من دخلني، فقال الجبار جل جلاله: وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية نفر من الناس، مدمن خمر، ولا مصرّ على الزنى، ولا نمّام، ولا ديّوث، ولا شرطيّ، ولا مخنّث، ولا قاطع رحم، ولا الذي يقول: عليّ عهد الله أن أفعل كذا وكذا ولا يفعله".
فليس المصر على الزنى هو المداوم عليه، ولا مدمن الخمر هو الملازم لشربه، ولكنه هو اذا وجد الخمر شربها، ولم يمنعه منها خوف الله تعالى، ومتى تهيأ له الزنى، ولم يتب من ذلك، ومن لم ينه النفس عن الهوى فان الجحيم هي المأوى.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول لغلمانه: ان أردتم النكاح نكحتم، أي تزوّجتم، فان العبد اذا زنى، خرج الايمان من قلبه فلا يبقى للعبد ايمان.
وقال لقمان لابنه: اياك والزنى، فان أوله مخافة آخره ندامة، ومن بعد تلقى آثامه.
وأنشدوا:
يا من خلا بمعاصي الله في الظلم في اللوح يكتب فعل السوء بالقلم
بها خلوت وعين الله ناظرة وأنت بالاثم منه غير مكتتم
فهل أمنت المولى من عقوبته يا من عصى الله بعد الشيب والهرم
واعلم أن من غلبه هواه افتضح، فما نال الكرامات من نالها الا بغلبة الهوى.
كما روي أنه في بني اسرائيل رجل تزوج امرأة من بلد آخر، فأرسل بثقته اليها ليسوقها اليه، فراودته نفسه، وطالبته بها، فزجرها، واستعصم بالله، قال: فنبأه الله تعالى بترك هواه، وكان نبيا من بني اسرائيل.
وأنشدوا:
توق نفسك لا تأمن غوائلها فالنفس أخبث من سبعين شيطانا
وحكى ابن عباس عن كعب الأحبار رضي الله عنهما أنه قال: كان في بني اسرائيل صدّيق منفرد للعبادة، فأقام في صومعته دهرا طويلا، وكان يأتيه ملك في كل غدوّة وعشيّة، فيقول له الملك: ألك حاجة؟ فيقول: الله أعلم بحاجتي.
وأنبت الله له فوق الصومعة كرمة، تحمل في كل يوم بالعنب، وكان اذا عطش مد يده، فينبع منها الماء، فيشرب منه.
فلما كان بعد مدة مرت به امرأة لها حسن وجمال، عند المغرب، فنادته: يا عبدالله. فقال لها: لبيك. فقالت له: أيراك ربك؟ قال لها: هو الله الواحد القهار، الحيّ القيّوم، العالم بما في الصدور وباعث من في القبور. قالت له: البلد مني بعيد. قال لها: اصعدي.
فلما صارت في صومعته، رمت بثيابها، وقامت عريانة، تجلو نفسها عليه، فغضّ بصره عنها. وقال لها: ويلك، استري نفسك. قالت له: ما يضرّك اذا تمتعت بي في هذه الليلة؟.
فقال لنفسه: يا نفس، وما تقولين؟ قالت: والله اني أتمتع بها.
قال لها: ويحك: أتريدين سرابيل القطران، مقطعات وتذهبين بعبادتي هذه المدة، وليس كل من زنى عفي عنه، وان الزاني يكبّ على وجهه في النار، وهي نار لا تطفأ، وعذابها لا يفنى، وأخاف أن يغضب الله عليك، ولا يرضى أبدا عنك.
فراودته نفسه على ذلك، فقال: أعرض عليك نارا صغيرة، فان صبرت عليها، متعتك بهذه الجارية الليلة.
قال: فملأ السراج دهنا، وأغلظ الفتيلة، والمرأة تسمع وتبصر، ثم ألقى يده الى الفتيلة، وهي تتقد، فصاح بالفتيلة: ما لك؟ أحرقي، فأكلت ابهامه، ثم اكلت أصابعه، ثم أكلت يده، فصاحت الجارية صيحة عظيمة، فارقت الدنيا، فسترها بثوبها.
فلما اصبح صرخ ابليس لعنه الله: أيها الناس ان العابد قد زنى بفلانة بنت فلان، وقتلها.
فركب الملك في جنده وأهل مملكته، فلما انتهى الى الصومعة، صاح، فأجابه العابد، فقال له: أين فلانة بنت فلان؟ قال له: عندي ها هنا. قال له: قل لها أن تنزل. قال له: انها قد ماتت.
قال له الملك: ما رضيت بالزنى حتى قتلت النفس التي حرّم الله؟ فهدم الصومعة، وجعل في عنق العابد سلسلة، فجرّه بها، وحملت المرأة، وجيء بالعابد ملفوفة في كمه وهو لا يعلمهم بقصته.
فوضع المنشار على رأسه، وقيل لأصحاب العذاب: جرّوا، فجرّوا.
فلما بلغ المنشار الى دماغه، تأوّه، فأوحى الله تعالى الى جبريل عليه السلام: قل له: لا ينطق بشيء، وها أنا أنظر اليك، وقد أبكى حملة عرشي، وسكان سماواتي، فوعزتي وجلالي لئن تأوّه الثانية، لأهدمنّ السموات على الأرض، فما تأوه ولا تكلم حتى مات رحمه الله.
فلما مات، ردّ الله الروح على المرأة، وقالت: مات والله مظلوما، ما زنى وما أنا الا بخاتمي بكر.
ثم قصت عليهم القصة، فأخرجوا يده، فاذا هي محروقة كما قالت الجارية. فقالوا: لو علمنا ما نشرناه، وخرّ العابد نصفين على الأرض، وعادت الجارية كما كانت، فحفروا لهما قبرا واحدا، فوجدوا في القبر مسكا وعنبرا وكافورا. ثم أتوا بهما ليصلوا عليهما، فناداهم مناد من السماء: اصبروا حتى تصلي عليهما الملائكة، ثم صلى عليهما الناس ودفنوهما، فأنبت الله على قبرهما الياسمين، ووجدوا على قبرهما رق مكتوب فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من الله عز وجل الى عبدي ووليي، اني نصبت المنبر تحت عرشي، وجمعت ملائكتي، وخطب جبريل عليه السلام، وأشهدت الملائكة أني زوّجتك خمسين ألف عروس من الفردوس، وهكذا أفعل بأهل طاعتي وأهل مراقبتي.
وقال صلى الله عليه وسلم:" النظر الى محاسن المرأة سهم من سهام ابليس، فمن غضّ بصره، أذاقه الله تعالى عبادة يجد حلاوة تلك العبادة في قلبه". رواه الحاكم.
وفي المناجاة أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: يا موسى، حرمت على النار ثلاثة أعين: عين سهرت في سبيل الله، وعين غضّت عن محارم الله، وعين بكت من خشيتي، ولكل شيء جزاء، الا الدمعة، فلا جزاء لها الا الرحمة والمغفرة ودخول الجنة. والله تعالى أعلم. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:30 pm | |
| الفصل الثامن والعشرون الصمت
وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعبا فسأل عنه، فقيل انه مريض، فخرج يمشي حتى أتاه، فلما دخل عليه قال: أبشر يا كعب، فقالت له أمه: هنيئا لك الجنة يا كعب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من هذه المتألية على الله؟" قال: أمي. قال:" وما يدريك يا أم كعب، لعل كعبا قال ما لا يعنيه أو سمع ما لا يعنيه؟".
وقال صلى الله عليه وسلم:" العبادة تسعة أجزاء في الصمت، وجزء في الفرار من الناس".
وفي الحكمة: تسعة أعشار العبادة في الصمت.
وحكي أن مريم لما نذرت ألا تتكلم، وحبست لسانها لأجل الله تعالى، أطلق الله سبحانه وتعالى لسان صبي لا يعرف الخطاب، أنطقه الله لأجلها.
فمن حفظ لسانه لأجل الله تعالى في الدنيا، أطلق الله لسانه بالشهادة عند الموت ولقاء الله تعالى. ومن سرّح لسانه في أعراض المسلمين، واتبع عوراتهم أمسك الله لسانه عن الشهادة عند الموت.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه، كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه، كانت النار أولى به"
فلذلك كان الصّدّيق رضي الله عنه يضع فيه حجرا ليمنع نفسه عن الكلام.
وسأل معاذ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الأعمال أفضل، فأخرج لسانه، ووضع يده عليه.
وأوصى عليّ ابن أبي طالب عنه ولده الحسن، فقال له: أمسك عليك لسانك، فان تلاف المرء في منطقه.
وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوما، فقال: ان ربكم تعالى يقول: يا ابن آدم، لم تحرّض الناس على الخير، وتدع ذلك من نفسك؟ يا ابن آدم، لم تذكّر الناس وتنسى نفسك؟ يا ابن آدم، لم تدعوني وتفرّ مني؟ ان كان كما تقول، فاحبس لسانك، واذكر خطيئتك، واقعد في بيتك.
وفي صحائف ابراهيم عليه السلام: على العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه.
وعن مالك بن دينار رحمه الله تعالى أنه قال: اذا رأيت قساوة في قلبك، أو وهنا في بدنك، أو حرمانا في رزقك، فاعلم أنك تكلمت بما لا يعنيك.
وقال لقمان الحكيم لابنه: يا بنيّ، من رحم يرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يفعل الخير يغنم، ومن يفعل الشر يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم.
وأنشدوا:
احفظ لسانك أيها الانسان لا يقتلنك انه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
ويقال: ان جميع الأعضاء تبكّر كل يوم للسان، وتقول له: ناشدتك الله تعالى أن تستقيم، فانك ان استقمت استقمنا، وان اعوججت اعوججنا.
وقال بعض الحكماء: احبس لسانك قبل أن يطول حبسك، وتتلف نفك، فلا شيء أولى بطول حبس من اللسان ليقصر على الصواب ويسرع الى الجواب.
قال بعض الحكماء: ترك فضول الكلام يثمر النطق بالحكمة، وترك فضول النظر يثمر الخشوع والخشية، وترك فضول الطعام يثمر حلاوة العبادة، وترك الضحك يثمر حلاوة الهيبة، وترك الرغبة في الحرام يثمر المحبة، وترك التجسس عن عيوب الناس يثمر صلاح العيوب، وترك التوهم في الله ينفي الشك والشرك والنفاق.
وأنشدوا:
الصمت نفع والكلام مضرة فلربّ صمت في الكلام شفاء
فاذا أردت من الكلام شفاء لسقام قلبك فالقرآن دواء
واعلم أن التجسس عن عيوب الناس، وتطلب مساوئهم، يبدي العورات، ويكشف المخبّآت.
وقد نهى الله عز وجل عن ذلك في كتابه العزيز بقوله:{ ولا تجسّسوا ولا يغتب بعضكم بعضا} الحجرات 12.
فاتق الله واشتغل بعيوبك عن عيوب الناس، ولا تكن كمثل الذباب الذي لا يعرج على المواضع السليمة من الجسد، ولا ينزل عليها، وانما يقع على القروح فيدميها.
فمن بحث عن مساوئ الناسن واتبع عوراتهم، واشتغل بعيب غيره، وترك عيبه، سلط الله تعالى عليه من يبحث في عيبه ومساوئه ليشهّرها، ويتبع عورته ويبديها وينشرها.
فالعاقل السعيد من نظر في عيبه، وشغل بذلك عن عيوب غيره، وعن كل شيء سوى الله تعالى.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله تعالى، أنه قال: يا موسى خمس كلمات ختمت بهن التوراة، فان عملت بهن، نفعك علم التوراة، وان لم تعمل بهنّ، لم ينفعك علم التوراة:
أولهنّ: يا موسى، كن واثقا برزقي المضمون لك ما لم تر خزائني نفدت.
الثانية: يا موسى، لا تخافنّ سلطان الأرض ما لم تر سلطاني زائلا.
والثالثة: يا موسى، لا تجسس عن عيب أحد ما لم تخل من العيوب.
الرابعة: يا موسى، لا تدعنّ محاربة الشيطان ما دام روحك في جسدك.
الخامسة: يا موسى، لا تأمن عقابي ولو رأيت نفسك في الجنة.
وقال: يا أخي، اياك أن تعيّر أحدا بما فيه، فاني أخشى أن يبتليك الله ويعافيه، ولا تستر على الفاجر الظاهر فجوره، ولا على من لا يستتر بالمعصية ويعلن بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يرى امرؤ من أخيه عورة، فيسترها عليه الا أدخله الله الجنة".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من أقال مسلما عثرته، أقال الله عثرته يوم القيامة" أبو داود 3460، ابن ماجه 2199.
ويقال ان أبا حنيفة رضي الله عنه كان يسكن بجواره شاب مولّع بشرب الخمر، فكان أبو حنيفة يسهر الليل على النظر في الكتب والقراءة، وكان بينه وبين الشاب جدار، فكان يشرب ويتمثل:
سأنشدهم اذا ما هم جفوني أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ويكثر التردد بهذا البيت، فكان أبو حنيفة يستأنس بكلامه.
فلما كان ذات ليلة، لم يسمع له أبو حنيفة حسا، فلما خرج لصلاة الصبح سأل عنه فقيل له: ان صاحب الشرطة لقاه مخمورا، فحمله الى السجن، فلما صلى أبو حنيفة، مضى الى منزل صاحب الشرطة، واستأذن عليه، واعلمه بنفسه، فخرج اليه صاحب الشرطة حافي القدمين، عاري الرأس، وقبّل يده، وقال: يا سيدي، وما بلغ من قدري حتى تأتيني الى منزلي؟ فقال أبو حنيفة: اني جئتك في قضية جار لي سجن الليلة، فقال: أشهدك يا سيدي أني أطلقته وجميع من سجن في تلك الليلة.
قال: وانصرف أبو حنيفة والرجل معه. ثم التفت اليه، وقال: هل ضيّعناك يا أخي، أم قمنا بحقك رعيا لقولك: أضاعوني وأي فتى اضاعوا؟ فقال: لا والله لم تضيّعني، بل رعيتني، جزاك الله عن الجوار خيرا، وأشهدك أني تائب لوجه الله تعالى.
قال: فلزم الامام، وعبد الله تعالى حتى أتاه اليقين. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:33 pm | |
| الفصل التاسع والعشرون كف لسانك عن المسلمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة:" يا أبا هريرة، ان أحببت أن يفشي الله لك الثناء، الحسن الجميل في الدنيا والآخرة، فكف لسانك عن المسلمين".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما صام من ظل ياكل لحوم الناس".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أبغض عباد الله الى الله كل طعّان لعّان.
وقال سعيد بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم:" ان العبد يعطى كتابه يوم القيامة، فيرى فيه حسنات لم يكن عملها قط، فيقول: يا رب، من أين هذه الحسنات؟ فيقول: باغتياب الناس فيك وأنت لا تعلم".
وقال حاتم الأصمّ: ثلاثة اذا كنّ في مجلس فالرحمة مصروفة عنه: ذكر الدنيا، والضحك، والوقيعة في الناس.
واعلم رحمك الله، أن النميمة تفسد الدين والدنيا، وتغيّر القلوب، وتولّد البغضاء، وسفك الدماء، والشتات. قال الله العظيم:{ ولا تطع كل حلاف مهين همّاز مشّاء بنميم منّاع للخير معتد أثيم عتّل بعد ذلك زنيم} القلم 10-13.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال:" أن تذكر أخاك بما هو فيه غائب عنك، وان ذكرته بما ليس فيه فقد بهته".
وقال صلى الله عليه وسلم:" شرّ عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة".
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة قتات".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من مشى بين اثنين بالنميمة، سلط الله عليه نارا في قبره تحرقه الى يوم القيامة. وحيّة تنهشه حتى يدخل النار".
قال صلى الله عليه وسلم:" من ألقى بين اثنين عداوة، فليتبوأ مقعده من النار، ومن أصلح بينهما، فقد وجبت له على الله الجنة".
قال بعض الحكماء: النميمة تهدي الى القلوب البغضاء، ومن واجهك فقد شتمك، ومن نقل اليك فقد نقل عنك، والسّاعي بالنميمة كاذب لمن يسعى اليه، وخائن لمن يسعى به.
قال الشاعر:
احفظ لسانك لا تؤذي به أحدا من قال في الناس عيبا قيل فيه بمثله
قال الأصمعي: شاهدت أعرابية وهي توصي ابنها، فقالت: يا بنيّ، أمنحك وصيّتي وبالله التوفيق، فاياك والنميمة، فانها تورث العداوة بين الأهلين، وتفرّق بين المحبين، واياك والتعرّض للعيوب، فتصير لها أهلا، وايّاك والجود بدينك، والبخل بمالك، ومثل لنفسك مثالا من غيرك، فما استحسنته من الناس فافعله، وما استقبحته منهم فاجتنبه، فان المرء لا يرى عيب نفسه.
ثم أمسكت، فقلت: يا أعرابية، بالله ألا زدتيه، فقالت: يا حضريّ، أعجبك كلام العرب؟ فقلت: أى والله.
فقالت: يا بني، اياك والغدر فانه أقبح ما تعامل به الناس، واجمع بين السخاء والعلم، والتواضع والحياء، وأستودعك الله، وعليكم السلام.
واعلم رحمك الله أن الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الاسلام.
وقال بعض أهل العلم: الغيبة تنقض الوضوء، وتفطّر الصائم.
وكان بعض الفقهاء يعيد الوضوء من الغيبة.
وقيل: مثل صاحب الغيبة كمثل من نصب منجنيقا، فهو يرمي به حسناته يمينا وشمالا، وشرقا وغربا.
وأوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام: أتحب أن أنصرك على عدوّك؟ قال: بم؟ قال: بردّك الغيبة عن المسلمين.
ومن مات تائبا عن الغيبة والنميمة، فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات وهو مصر عليهما، فهو أول من يدخل النار.
وقال سليمان عليه السلام: يا رب، أي الأعمال أفضل وأحب اليك؟ فقال تعالى عشر خصال يا سليمان، أدها أن لا تذكر أحدا من عبادي الا بخير، ولا تغتب أحدا ولا تجسّه.
فقال: ربّ، احبس عني السبعة فقد كربني هؤلاء.
وقال عطاء السليمي: عذاب القبر ثلاث أثلاث: ثلث من البول وثلث من الغيبة، وثلث من النميمة.
فايّاك يا أخي والتعرّض للأقدار، وأن تغتاب أحدا بما أودع فيه الجبار، فان المولى جل جلاله أعلم به، وأحكم ولو شاء لأهلكه وانتقم.
يروى أن عيسى عليه السلام مرّ ببعض الأنهار، فاذا بصبيان يلعبون في ذلك النهر، ومعهم صبي أعمى قد كف بصره، وهم يغمسونه في الماء، ويفرّون منه يمينا وشمالا، وهو يطلبهم ولا يظفر بهم.
ففكر عيسى عليه السلام في أمره، ودعا ربه أن يردّ عليه بصره، وأن يساوي بينه وبين أصحابه.
فردّ عليه بصره، فلما فتح عينيه ورآهم وثب على واحد منهم، فتعلق به ولم يزل يغمسه في الماء حتى قتله، وطلب آخر فتعلق به كذلك حتى مات، وهرب الباقون.
فرأى عيسى عليه السلام ذلك، فتعجب، وقال: يا الهي، وسيدي ومولاي، أنت بخلقك أعلم، فدعا ربه أن يردّه كماكان ويكفيهم أمره.
فأوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام: قد كنت اعلمتك وتعرّضت اليّ في حكمي وتدبيري، فخرّ عيسى عليه السلام ساجدا.
واعلم أنه لا يجري في هذا العالم أمر الا وللمولى فيه حكم تدبير.
عن بعض السلف أنه قال: اذا كان يوم القيامة، اجتمع القوم الذين كان يتجالسون على غير طاعة الله تعالى، ويتعاونون على المعاصي، فيجثون على الرّكب، ويعض بعضهم بعضا، وينهش بعضهم بعضا، كالكلاب، وهم الذين خرجوا من الدنيا على غير توبة.
قال الفقيه أبو الحسن علي بن فرحون القرطبي رحمه الله في كتابه المعروف بالزاهر، كان لي عم، وتوفى في مدينة قاس سنة خمس وخمسين وخمسمائة، فرأيته بعد ذلك في المنام وهو داخل عليّ في داري، فقمت اليه ولاقيته بقرب الباب، وسلمت عليه، ودخلت خلفه، فلما توسّط في البيت، قعد واستند بظهره الى الجدار، فقعدت بين يديه، فرأيته شاحب اللون متغيّرا، فقلت له: يا عمّاه، ماذا لقيت من ربك؟ قال: ما يلقى من الكريم يا بنيّ، سمح لي في كل شيء الا في الغيبة، فاني منذ فرقت الدنيا الى الآن محبوس فيها، ما سمح لي بعد فيها، فأنا أوصيك يا بنيّ: ايّاك والغيبة والنميمة، فما رأيت في هذه الدار شيئا أشد بطشا وطلبا من الغيبة. وتركني وانصرف.
وأنشدوا: يموت كل الأنام طرّا من صالح كان أو خبيث
فمستريح ومستراح منه كما جاء في الحديث
وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيدفع له كتابه، فلا يرى فيه صلاته ولا صيامه، ويرى أعماله الصالحة، فيقول يا رب، هذا كتاب غيري، كانت لي حسنات ليس في هذا الكتاب، فيقال له: ان ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتيابك الناس.
فايّاك يا أخي والغيبة والنميمة، فانهما يضرّان بالدين، ويحبطان عمل العاملين، وتورث العداوة بين المسلمين، أعاذنا الله منهم. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:36 pm | |
| الفصل الموفى ثلاثين الغيبة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ان الله تعالى حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه".
فالغيبة بالقلب حرام، كما هي باللسان حرام، الا أن يضطرّ لمعرفته، بحيث لا يمكنه التجاهل، فحدّ الغيبة كما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن تذكر أخاك بما يكرهه ان بلغه أو سمعه، وان كنت صادقا سواء ذكرت نقصانا في نفسه، أو عقله، أو ثوبه، أو في فعله، أو في قوله أو في دينه، أو في داره، أو في دابته، أو في وولده، أو في عبده، أو في أمته، او بشء ما يتعلق به، حتى قولك: انه واسع الكم، طويل الذيل.
وقد ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: ما أعجزه، فقال:" اغتبتموه".
وأشارت عائشة رضي الله عنها الى صفيّة، وقالت لها كذا وكذا، وأشارت بيدها، تعني قصرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اغتبتها يا عائشة"، فقالت: يا رسول اله، اليس هي قصيرة؟ قال:" انك ذكرت أقبح شيء فيها".
والغيبة لا تقتصر على اللسان، بل كل ما يفهم منه عرض يكرهه المذكور فيه ان بلغه أو سمعه، باليد، أو بالرجل، أو بالاشارة، أو بالحركة، أو بالتعرّيض أو بالمحاكاة، فهي غيبة.
وقد عظم الله تعالى أمر الغيبة، فقال تعالى:{ ولا يغتب بعضكم بعضا أيحبّ أحدكم أن ياكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} الحجرات 12. وقال تعالى:{ ويل لكل همزة لمزة} الهمزة 1.
فقيل معناه الطاعن في الناس، الذي يأكل لحوم الناس.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظفارهم، فقيل لي: هؤلاء الذين يغتابون الناس".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد".
روي عن عبدالملك بن حبيب رحمه الله تعالى باسناده عمّن حدّثه أنه قال لمعاذ بن جبل: يا معاذ حدّثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا معاذ اني محدثك حديثا، ان أنت حفظته نفعك الله، وان ضيّعته ولم تحفظه، انقطعت حجتك عند الله يوم القيامة.
يا معاذ: الله خلق سبع أملاك قبل أن يخلق السموات والأرض، فجعل لكل سماء ملكا بوّابا عليها، فتصعد الحفظة بعمل العبد من حين يصبح الى حين يمسي، له نور كنور الشمس، حتى اذا بلغت به الى سماء الدنيا، فتزكيه وتكثره، فيقول الملك الموكل بها للحفظة: اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا صاحب الغيبة أمرني ربي أن لا أدع عمل من اغتاب الناس يجاوزني الى غير.
ثم تأتي الحفظة بعمل صالح من العبد، فتزكيه وتكثره، حتى تبلغ به الى السماء الثانية، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، انه أراد بهذا العمل عرض الدنيا، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري، انه كان يفتخر على الناس في مجالسهم.
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يبتهج نورا من صدقة وصيام، وقد اعجب الحفظة، فيجاوزون به الى السماء الثالثة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الكبر، أمرني ربي ألا أدع عمله يجاوزني الى غيري، انه كان يتكبّر على الناس.
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كما يزهر الكوكب الدري وله دويّ من صلاة وتسبيح وحج وعمرة، حتى يجاوزوا به الى السماء الرابعة فيقول لهم الملك الموكل بها، قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ظاهره وباطنه، أنا صاحب العجب، امرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري، انه كان اذا عمل عملا أدخل العجب فيه.
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وصوم وصدقة وزكاة وحج وعمرة، حتى يجاوزوا بها الى السماء الخامسة كأنه العروس المزفوفة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واحملوه على عاتقه، أنا ملك الحسد، انه كان يحسد من يتعلم، ولا يعمل بمثل عمله، وكل من كان يأخذ فضلا من العبادة كان يحسده، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري.
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحج وعمرة وصيام، فيجاوزون به الى السماء السادسة، فيقول لهم الملك، قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، انه كان لا يرحم انسانا ولا مسكينا من عباد الله تعالى قط اذا أصابه بلاء أو ضرّ، بل كان يشمت به، أنا ملك الرحمة، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري.
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وصوم وجهاد وورع، له دويّ كدويّ النحل، وضوء كضوء الشمس، ومعه ثلاث آلاف ملك، فيجاوزون به السماء السابعة: فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واقفلوا على قلبه، اني أحجب عن ربي كل عمل لم يرد به ربي، انما أراد بعمله رفعة عند الفقهاء، وذكرا عند العلماء، وصيتا في المدائن، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني الى غيري، وكل عمل لم يكن لوجه الله خالصا، فهو رياء ولا يقبل الله عمل المرائي.
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وعمرة وخلق وحسن وصمت، وذكر الله تعالى، فتشيّعه ملائكة السموات السبع، حتى يقطعوا الحجب كلها، ويقفوا بين يدي الله تعالى، ويشهدوا له بالعمل الصالح لله تعالى، فيقول لهم: أنتم الحفظة على عبدي، وانا الرقيب على قلبه، انه لم يردني بهذا العمل، وأراد به غيري، فعليه لعنتي ولعنة أهل السموات والأرض، فتقول الملائكة كلها: عليه لعنتك ولعنتنا، وتقول السموات كلها: عليه لعنة الله ولعنتنا، وتلعنه السموات السبع ومن فيهنّ".
قال نعاذ: قلت: يا رسول الله، انت رسول الله، وأنا معاذ. قال:" اقتد بي، وان كان في عملك نقص، يا معاذ، احفظ لسانك من الوقيعة في لسانك من اخوانك من حملة القرآن، واحمل ذنوبك، ولا تحملها عنهم، ولا تركّ نفسك بذمّهم ولا توقع نفسك عليهم، ولا تدخل الدنيا في عمل الآخرة، ولا تتكبّر في مجلسك لكي يحذر الناس من سوء خلقك، ولا تمازح رجلا وعندك آخر، ولا تتعاظم على الناس، فتقطع عنك خيرات الدنيا والآخرة، ولا تمزق لحوم الناس بلسانك، فتمزقك كلاب النار يوم القيامة بالنار، قال الله تعالى:{ والناشطات نشطا} النازعات 2. هل تدري ما هنّ يا معاذ؟" قلت: ما هنّ بأبي وأمي يا رسول الله؟ قال:" كلاب من نار تنشط العظم واللحم". قال: قلت: يا رسول الله من يطيق هذه الخصال، ومن ينجو منها؟ قال:" يا معاذ، انه يسير على من يسّره الله تعالى عليه".
قال: فما رأيت أحدا أكثر تلاوة للقرآن من هذا الحديث. أورده المصنف في كتاب الموضوعات حديث موضوع. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:39 pm | |
| الفصل الحادي والثلاثون حصائد ألسنتهم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". مسلم 40.
وقال:" المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه". مسلم 2580.
وقال:" المسلمون كرجل واحد، اذا اشتكى رأسه، تداعى بقيّة جسده بالحمّى السهر". البخاري ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من سرّه ان يسلمك فليلزم الصمت".
وقال معاذ رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أنؤاخذ بما نقول؟ فقال:" ثكلتك أمك يا ابن جبل، وهل يكبّ الناس في النار على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم؟!". الترمذي 2616.
وقيل لعيسى عليه السلام: دلنا على عمل ندخل به الجنة، قال: فلا تنطقوا أبدا.
قالوا: لا بدّ لنا من ذلك. قال: فلا تنطقوا الا بخير.
وقال صلى الله عليه وسلم:" اخزن لسانك الا من خير، فانك بذلك تغلب الشيطان" ابن أبي الدنيا.
وقال صلى الله عليه وسلم:" ان الله تعالى عند كل لسان ناطق، فليتق الله امرؤ علم ما يقول". ابن المبارك في الوهد.
وقال صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". مسلم 48.
وقال صلى الله عليه وسلم:" رحم الله عبدا قال خيرا أو صمت". الطبراني.
وقال صلى الله عليه وسلم:" ان أكثر خطايا ابن آدم في لسانه". ابن أبي الدنيا.
وقال صلى الله عليه وسلم:" لسان العاقل من وراء قلبه، فاذا أراد الكلام رجع الى قلبه، فان كان له تكلم، وان كان عليه امسك، وقلب الجاهل من وراء لسانه، فهو يتكلم بكلّ ما عرض له".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه الى يوم القيامة". الترمذي وابن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم:" ان الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم، وان الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها الى الجنة". البخاري.
واياك يا أخي، والعجب، فانه مذموم كيف كان: بالنفس أو بالفعل أو بالقول، ولا تغترّ بفعلك ولا بقولك، فان الله تعالى يقول:{ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}. النجم 32.
وقال صلى الله عليه وسلم:" ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متبع، واعجاب المرء بنفسه" الترغيب والترهيب.
وقال صلى الله عليه وسلم:" لو لم تذنبوا، لخشيت عليكم ما هو أشد من الذنب، وهو العجب". الترغيب والترهيب.
وقيل لعائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئا؟ قالت: اذا ظنّ أنه محسن.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الهلاك في اثنتين القنوط والعجب.
وانما جمع بينهما، لأن القانط لا يطلب السعادة لقنوطه، وان المعجب لا يطلبها لظنه أنه ظفر بها.
وذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يوما: أنا من الراسخين في العلم، وقال يوما: سلوني قبل أن تفقدوني، فلما انصرف الى منزله، بعث الله ملكا في صورة آدمي، فدق عليه الباب، فخرج اليه عبدالله بن عباس، فقال له الملك: يا ابن عباس: ما تقول في النملة مع صغرها، أين روحها في مقدّمها، أو في مؤخرها؟ فلم يجد جوابا فدخل منزله، وأغلق بابه، وآلى على نفسه أن لا يدّعي علما أبدا.
قال الله تعالى:{ وفوق كل ذي علم عليم} يوسف 76.
وذكر أنه حضر بعض النحويين في مجلس ابن شمعون الوعظ، وكان من الزهاد، فكأن النحويّ أخذ على الشيخ لحنا في لسانه، وغلظا في كلامه، فانقطع عنه النحويّ، ولم يأت الى مجلسه، فكتب اليه ابن شمعون: أراك من الاعجاب رضيت أن تقف دون الباب، أما سمعت رسالة بعض العارفين الى بعض المتأدبين. كتب اليه: من اعتمد على ضبط أقواله، لحن في أفعاله، انك رفعت وخفضت وجزمت وتهت وانقطعت.
ألا رفعت الى الله جميع الحاجات؟ ألا خفضت صوتك عن المنكرات؟ ألا نصبت بين عينيك ميزان الممات، أما علمت أنه لا يقال غدا لعبد: لم لم تكن معربا وانما يقال له: لم كنت مذنبا.
يا هذا، ليس المرغوب الفصاحة في المقال، وانما المرغوب الفصاحة في الفعال. ولو كانت الفصاحة محمودة في المقال دون الفعال، لكان هارون أولى بالرسالة من موسى عليهما السلام، قال الله تعالى اخبارا عن قول موسى:{ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا} القصص 34. فجعلت الرسالة لموسى لفصاحة أفعاله، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
وأنشدوا:
ولاحن في الفعال ذو زلل حتى اذا جاء قوله وزنه
قال وقد أكسبه لفظه تيها وعجبا أخطأن يا لحنه
قلت أخطأ الذي يقوم غدا ولا يرى في كتابه حسنه
روي أن رجلا نظر الى بشر بن منصور السليمي رضي الله تعالى عنه وهو يطيل الصلاة، ويحسن العبادة، فلما فرغ قال له: لا يغرّنك ما رأيت مني، فان ابليس، لعنه الله، عبدالله آلافا من السنين ثم صار الى ما صار اليه.
فمن سعادة المرء أن يقرّ على نفسه بالعجز والتقصير في جميع أفعاله وأقواله.
قيل المهلكات أربع هي: أنا، ونحن، ولي، وعندي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" النادم على الذنب كمن لا ذنب له" ابن ماجه.
" النادم ينتظر الرحمة، والمعجب ينتظر المقت من الله تعالى". الطبراني.
قال أبو الدرادء رضي الله عنه: ان ناقدت الناس ناقدوك، وان تركتهم لم يتركوك، وان هربت منهم أدركوك، فالعاقل من وهب نفسه وعرضه ليوم فقره، وما تجرّع مؤمن أحب الى الله عز وجل من غيظ كظمه، فاعفوا يعزكم الله، واياكم ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فانها تسري بالليل والناس نيام.
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أعظم الخطايا الكذب، وسب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله ومن يغفر، يغفر الله له، ومن يصبر على الرزيّة يعقبه الله خيرا منها.
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أخذ موسى عليه السلام الألواح، نظر فيها، وقال: الهي، أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا من قبلي، فأوحى الله تعالى اليه: أتدري لما فعلت ذلك بك؟ قال: لا. قال: نظرت الى قلوب عبادي، فلم اجد قلبا أشد تواضعا من قلبك، فلذلك:{ اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} الأعراف 144.
يا موسى: انما أقبل من تواضعي لعظمتي، ولم يتعاظم على خلقي، وألزم قلبه خوفي، وقطع نهاره بذكري، وكفّ لسانه عن الشهوات لأجلي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من جرعة أحب الى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل، ومن كظم غيظا هو قادر على انفاذه، ملأ الله قلبه أمنا وايمانا".
وحكي أن غلاما لجعفر الصادق رضي الله عنه سكب على يده الماء في الطشت، فطار الماء على ثوبه، فنظر اليه جعفر نظرة منكرة، فقال العبد: يا مولاي:{ والكاظمين الغيظ} قال: كظمت غيظي. قال الغلام:{ والعافين عن الناس} قال عفوت عنك. قال الغلام:{ والله يحب المحسنين} آل عمران 134، قال اذهب، أنت حرّ لوجه الله تعالى، ولك من مالي ألف دينار.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله، اذا الناس نائمون، وبنهاره اذا الناس مفطرون، وبحزنه اذا الناس يفرحون، وببكائه اذا الناس يضحكون، وبصمته اذا الناس يخالطون، وبخشوعه اذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا، حليما سكوتا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا، ولا غافلا، ولا سخابا، ولا صيّاحا، لا حديدا، ولا منزعجا.
قال بعض الزاهدين: اغتنموا من زمانكم خمسا: ان حضرتم لم تعرفوا، وان غبتم لم تفقدوا، وان شهدتم لم تشاوروا، وان قلتم شيئا لم يقبل قولكم، وان عملتم شيئا لم تغبطوا به. وأوصيكم بخمس أيضا: ان ظلمتم لم تظلموا، ون مدحتم لم تفرحوا، وان ذممتم لم تجزعوا، وان كذبتم لم تغضبوا، وان خانوكم فلا تحزنوا. | |
|
| |
خالد
الجنس : العمل/الترفيه : القراءه المزاج : الحمد لله السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/01/2009
| موضوع: رد: كتاب بحْـرُ الدّمُوع الخميس مارس 24, 2011 3:43 pm | |
| الفصل الثاني والثلاثون الربااعلم أن الربا من المهلكات وهو أخفى من دبيب النمل على الصفاء في الليلة الظلماء، وان أدنى الربا كالذي يزني مع أمه والزنية مع الأم أعظم الأمور وزرا من سبعين زنية مع غيرها. قال الله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين} البقرة 278. وقال تعالى:{ الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة 275. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" درهم الربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية في الاسلام". رواه أحمد. وقال سمرة بن جندب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى صلاة الغداة، اقبل علينا بوجهه الشريف، وقال:" هل رأى أحد منك رؤيا؟" قلنا: لا يا رسول الله، فذكر صلى الله عليه وسلم حديث الربا. قال: ثم انتقلنا حتى أتينا على نهر من دم وفيه رجل قائم، وعلى شاطئ النهر رجل قائم، وبين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر ليخرج، فلما أراد أن يخرج، رماه الرجل بحجر فيه، فردّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى فيه حجرا، فرجع كما كان.قال:" فسألت عنه فقيل لي: هذا آكل الربا يفعل به هكذا يوم القيامة.وقال موسى عليه السلام: يا رب، ما جزاء من يأكل الربا ولم يتب منه؟ قال: يا موسى أطعمه يوم القيامة من شجر الزقوم.وأنشدوا:أيا الذي قلبه ميّت بأكل الربا ازدجر وانتبهفكم نائم نام في غبطة أتته المنيّة في نومتهوكم من مقيم على لذة دهته الحوداث في لذتهوكم من جديد على ظهرها سيأتي الزمان على جدته وأما آكل الحرام، قال الله تعالى في كتابه العزيز:{ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين} البقرة 168. وقال صلى الله عليه وسلم:" ان لله تبارك وتعالى ملكا على بيت المقدس ينادي في كل يوم وليلة: من أكل حراما، لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يخرج ذلك الحرام من بيته، فان مات على ذلك، فأنا بريء منه". وقال صلى الله عليه وسلم:" أخرجوا الأمانة من بيوتكم، وردّوها الى أربابها، فان لم تفعلوا فلن تنفعكم أعمالكم شيئا، ولا ينفعكم قول لا اله الا الله مع الحرام في البيت". وقال صلى الله عليه وسلم:" طلب الحلال فرض على كل مسلم" أي بعد فريضة الايمان.وقال صلى الله عليه وسلم:" من أكل لقمة الحرام، لم يقبل الله تعالى منه صلاة أربعين يوما"." وكل لحم أنبته السحت والحرام، فالنار أولى به". الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم:" من اكتسب مالا حراما، لم يقبل الله منه صدقة، ولا عتقا، ولا حجا، ولا عمرة، وكانت له بعدده أوزارا، وما بقي منه بعد موته كان زاده الى النار".وقال صلى الله عليه وسلم": لو أن رجلا اشترى ثوبا بعشرة دراهم، وكان فيهم دراهم حرام، لم يقبل الله تعالى منه عملا حتى يؤديه الى أهله".ويروى في حديث آخر:" لم يقبل منه عملا ما دام عليه شيء منه" رواه أحمد.وقال صلى الله عليه وسلم:" لو أن أصحاب المال الحرام استشهدوا في سبيل الله تعالى سبعين مرة لم تكن الشهادة لهم توبة، وتوبة الحرام ردّه الى أربابه، والاستحلال منهم".وقال صلى الله عليه وسلم:" من أكل الحلال أربعين يوما، نوّر الله تعالى قلبه، وأجرى ينابيع الحكمة على لسانه، ويهديه الله في الدنيا والآخرة". وفي المناجاة:أن الله تعالى يقول لموسى عليه السلام: ان أردت أن تدعوني، فصن بطنك عن الحرام، وقل: يا ذا المنّ القديم، والفضل العميم، يا ذا الرحمة الواسعة، فأنّى أجيبك فيما سألتني. وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: لو صمتم حتى تكونوا كالحنايا، وصليّتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يقبل منكم الا بورع حاجز.وقال بعض أهل العلم: الدنيا حلالها حساب، وحرامها عقاب، والحرام داء لا دواء له الا الفرار للرحمن من أكله.وأنشدوا في المعنى:أشبّه من يتوب على حرام كبيض فاسد تحت الحماميطول عناؤه في غير شغل وآخره يقوم بلا تماماذا كان المقام على حرام فلا معنى لتطويل القيام وقال يحيى بن معاذ رضي الله تعالى عنه: الطاعة مخزونة في خزائن الله تعالى، ومفتاحها الدعاء، وأسنانها أكل الحلال، فاذا لم يكن في المفتاح أسنان، فلا يفتح الباب، واذا لم تفتح الخزانة كيف يتوصل الى ما فيها من الطاعة. فصن لقمتك، وأطب طعمتك حتى يتبين لك مبيض صالح العمل من مسود خيط الأمل من فجر الأجل، ثم أتم صيام الجوارح عن حرام طعام الآثام الى ليل القيام فتفطر على فوائد موائد{ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية}.الحاقة 24. ومن لم يجتنب الحرام من الطعام، أفطر بعد طول الصيام على مرارة حرارة ثمرة الزقوم، فيا له من طعام، ما أعظم ضرره، بفتت الفؤاد، ويقطع الأكباد، ويمزق الأجسدا، ويورث الأنكاد في الميعاد. وقال سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه: كنت أقرأ الآية فيفتح لي فيها سبعون بابا من العلم، فلما أكلت مال هؤلاء الأمراء، صرت أقرأ الآية فلم يفتح لي فيها باب واحد. فالحرام من القوت نار تذيب شحمة الفكر، وتذهب لذة حلاوة الذكر، وتحرّق ثياب اخلاص النيّات، ومن الحرام يتولد عمى البصيرة وظلام السريرة.فاكتسب مالا حلالا، وأنفقه في قصد، واجتنب الحرام وأهله، ولا تجالسهم، ولا تأكل طعامهم، ولا تصحب من كسبه من الحرام، ان كنت صادقا في ورعك، ولا تدلّن أحدا على الحرام فيأكله هو وتحاسب أنت عليه، ولا تعنه أيضا على طلبه، فان المعين شريك.واعلم أنه انما تقبل الأعمال من آكل الحلال. ويتعلق بذلك كتمان الفاقة والحسرات واخفاء الأنين والزفرات، والركون في الخلوات.وأما أكل مال اليتيم فلو لم يكن فيه الا ما نطق القرآن الكريم على لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال جل وعلا:{ ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} النساء 10.وقال تعالى:{ ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا} الاسراء 34. وأما الخيانة في الوزن والكيل، فاجتنب ذلك يا اخي ما استطعت، فان الله تعالى قد أمرك بالعهد فيهما في قوله تعالى:{ ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} المطففين 1،3.واياك يا اخي أن تغتبط بشيء من حقوق المسلمين، فان البركة لا تكون مع الخيانة، وان قليلا من الحرام يتلف كثيرا من الحلال.واياك يا اخي ان خنت درهما، خانك ابليس في سبعين درهما.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاثة من كنّ فيه فهو منافق، وان صلى وصام: من اذا حدّث كذب، واذا وعد أخلف، واذا ائتمن خان} البخاري ومسلم. وقال بعضهم: دخلت لزيارة جار لي كان يبيع الحنطة، فلما قعدت عند رأسه وهو يقول: جبلان من نار، فسألت زوجته، فقالت: انه كال له مدّان، أحدهما كبير والآخر صغير، فاذا ابتاع من أحد شيئا اكتال بالمدّ الكبير، واذا باع هو لأحد شيئا، كال له بالمد الصغير، فعلمت أن المدّين هما الذان تصورا له جبلين من نار. قيل، وكان رجل بالبادية لبان يخلط اللبن بالماء، فجاء السيل، فذهب بالغنم، فجعل يبكي ويقول: اجتمعت تلك القطرات، فصارت سيلا، ولسان الجزاء يناديه:{ ذلك بما قدّمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد} الحج 10.واعلم ان السرقة والخيانة أمران مهلكان ضارّان بالدين. وفي المناجاة أن الله تبارك وتعالى قال لموسى عليه السلام: ستة ناري وغضبي، فأولهم من طال عمره وساء خلق، وغنيّ سارق، وعالم فاسق، ومن أتاني على غير توبة، ومن لقيني بدم مؤمن متعمدا، ومن منع حق امرئ مسلم وأكله غضبا.وقال صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا. ذكر أنه وجدت على صخرة بيت المقدس مكتوب عليها ست كلمات: كل عاص مستوحش، وكل مطيع مستأنس، وكل خائف هارب، وكل راج طالب، وكل مقتنع غني، وكل حريص فقير.وأما الايمان الكاذبة، فانه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الحلف الحنث أو ندم" وقيل: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من أصحابه وهو يضرب عبدا له، والعبد يقول له: أسألك بوجه الله تعالى الا ما تركتني، وهو يزيد في ضربه، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح العبد، فانطلق اليه، فلما رآه السيّد أمسك فقال رسول الله:" سألك بوجه الله العظيم، فلم تعف عنه، فلما رأيتني، أمسكت يدك"، فقال: يا رسول الله أشهدك انه حر لوجه الله تعالى العظيم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لو لم تفعل، للفحت النار وجهك". فاياك والتعرض لمقت الله تعالى بكثرة الايمان، فان الله تعالى يقول:{ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} البقرة 224. وفي الاسرائيليات أن موسى عليه السلام قال: يا رب، ما لمن يحلف بك كاذبا؟ قال: أجعل لسانه بين جمرتين أحقابا. قال: يا رب فما على من اقتطع مال مسلم بيمين فاجرة؟ قال: أقطع حظه من الجنة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ان الله تعالى أذن لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش ورجلاه قد خرقت الأرض السفلى، وعنقه مثنيّ تحت العرش، فيرفع رأسه وهو يقول: يا الهي وسيدي، ما أعظمك! فيقول الله تعالى: ما عرف ذلك من حلف بي كاذبا". رواه الحاكم. وأما شرب الخمر، فانه من أكبر الكبائر، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:" من شرب من الخمر شربة لم تقبل منه صلاة سبعة أيام، ولم يقبل منه صيام". ابن ماجه. واعلم أن في شربها عشرة خصال مذمومة:أولها: أنها تذهب في عقل شاربها حتى يصير مضحكة للصبيان، ومهزأة كما روي عن ابن أبي الدنيا أنه قال: رأيت سكران يبوّل ويمسح وجهه ببوله، وهو يقول: اللهم اجععلني من التوّابين، واجعلني من المتطهرين.ورأى سكران قد تقيأ والكلب يلحس فاه، والسكران يقول: أكرمك الله يا سيدي كرامة أوليائه.والثانية أنها تتلف المال وتفسده، وتعقب الفقر، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم أرنا في الخمر فانها متلفة للمال مذهبة للعقل. سنن أبي داود.والثالثة: أنها توقع العداوة والبغضاء. قال الله تعالى:{ انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون} المائدة 91. ويريد: انتهوا عنهما. قال عمر: انتهيت يا رب، انتهيت.والرابعة: يحرم صاحبها لذة الطعام وصواب الكلام.والخامسة: أنه تحرم عليه زوجته، فتكون معه على الزنى، وذلك أن اكثر كلامه بالطلاق، فربما حنث ولم يشعر، فيكون معها زانيا، فانه روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: من أنكح كريمته شارب الخمر، فقد ساقه للزنى.والسادسة: أنها مفتاح كل شر توقعه في جميع المعاصي، كما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال في خطبته: أيها الناس، اتقوا شرب الخمر، فانها أم الخبائث.والسابعة: انها تؤذي حفظته بادخالها في مجلس الفسوق والفجور والروائح الكريهة.والثامنة: أنه أوجب على نفسه الحد ثمانين جلدة، فان لم يضربها في الدنيا ضرب في الآخرة على رؤوس الأشهاد.والتاسعة: أنها تسدّ دونه أبواب السماء، فلا يرفع له عمل ولا دعاء أربعين يوما.والعاشرة: أنه خاطر بنفسه وبدينه، فيخاف عليه أن ينزع منه الايمان عند الموت. كما روي عن بعضهم أنه قال: رأيت انسانا يجود بنفسه عند الموت وهو يقال له: قل لا اله الا الله، فكان يقول: اشرب واسقني. وذكر عن عبدالله بن مسعود أنه قال: اذا مات العبد المخمور، فادفنوه واحبسوني، واحفروا عليه، فان لم تجدوا وجهه مصروفا عن القبلة، والا اضربوا عنقي.فهذه عقوبته في الدنيا، وأما عقوبته في الآخرة، فانها لا تحصى من شرب الحميم والزقوم وعصارة أهل النار في النار، الى غير ذلك من العذاب والنكال. أعاذنا الله منه. وأما ما أعدّ الله تعالى لتارك الصلاة على صحة البدن، فمنه ما روي عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بين الكافر والمسلم الا ترك الصلاة، فان تارك الصلاة على صحة البدن يبتليه الله تعالى بخمسة عشر عقوبة، منها ستة في الدنيا، وثلاثة عند موته، وثلاثة في قبره، وثلاثة عند لقاء ربه.فأما التي تصيبه في الدنيا، فيرفع الله تعالى البركة من عمره.والثانية: يرفع الله البركة من رزقه.والثالثة: تزول سيما الخير من وجهه.والرابعة: كل عمل يعمله لا يقبل منه شيء.والخامسة: كل دعائه لا يسمع.والسادسة: لا حظ له في الاسلام. قيل يا رسول الله فما الثلاثة التي تصيبه عند الموت؟ قال صلى الله عليه وسلم:" يموت حيرانا ذليلا ولا يدري على أي دين يموت، ويموت عطشانا جيعانا ولو سقي أنهار الدنيا كلها ما روي".قيل يا رسول الله فما الثلاثة التي تصيبه في قبره؟ قال:" ظلمة القبر وضيقه، ومسألة منكر ونكير".قيل يا رسول الله، فما الثلاثة التي تصيبه عند لقاء ربه؟ قال:" يلقى الله تعالى وهو غضبان عليه، ويبعث الله له ملكا يكّبه على وجهه في النار، ويعذبه الله تعالى بالوادي الذي يقال له ويل". حديث موضوع أنظر تنزيه الشريعة. قال الله تعالى:{ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} الماعون 4-5.وقال صلى الله عليه وسلم:" عشرة من أمتي سخط الله تعالى عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا أليما، ويأمر الله تعالى بهم يوم القيامة الى النار" قيل من هم يا رسول الله؟.قال:" أولهم الشيخ الزاني. والثاني: الامام الظالم. والثالث: مدمن الخمر. والرابع: مانع الزكاة. والخامس: شاهد الزور. والسادس: الماشي بين الناس بالنميمة. والسابع: الذي ينظر لوالديه بنظر الغضب. والثامن: من يطلق زوجته ثم يمسكها على الحرام. والتاسع: الذي يحكم بالجور. والعاشر:تارك الصلاة على صحة البدن".وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن تارك الصلاة على صحة البدن: هل يقبل منه التوحيد؟ قال: من لا صلاة له لا توحيد له، ومن لا صلاة له، لا زكاة له، ومن لا صلاة له، لا صيام له. قال تعالى:{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا} مريم 59.وغيّا واد في جهنم لا يدخله الا تارك الصلاة. قال ابن عباس: أول ما يسأل العبد يوم القيامة عن الصلاة، فان قبلت منه، قبل سائر عمله.وتارك الصلاة على صحة البدن اذا رفع اللقمة من القصعة، تقول: رفعني عدو الله الى فم لم يذكر الله.وتارك الصلاة على صحة البدن يسوّد الله وجهه، ويضيّق خلقه، ويقتر رزقه، وتتقمّل ثيابه، ويبغضه الله تعالى، ويبغضه جيرانه ويجور عليه سلطانه.وتارك الصلاة على صحة البدن، لا تجوز شهادته، ولا يحل لمسلم أن يؤاكله أو يزوّجه ابنته، ولا يدخل معه تحت سقف واحد.وتارك الصلاة على صحة البدن يأتي يوم القيامة على جبهته مكتوب ثلاثة أسطر:في السطر الأول: يا مضيّع حقوق الله.وفي الثاني: يا مخصوصا بغضب الله تعلى.وفي الثالث: كما ضيّعت حق الله، فأيس اليوم من رحمة الله تعالى. وفي الخبر ان النار تقول لتارك الصلاة: أنت لي وليّ، يا ليت أن الله جمع بيني وبينك، فأنتقم للصلاة منك، أنت عدو للصلاة، والله عدو لك. وتقول له الجنة: يا عدو الله، ضيّعت أمانة الله تعالى، وتهاونت بفريضة الله، فاني محرّمة عليك حين يتبوأ عباد الله مني حيث يشاؤون، ما جرت أنهاري، وتجاوبت أطياري، وسطع نوري، وتزيّن حوري، فأنا وما في الحور والسرور والولدان والقصور، حرام عليك أبد الآبدين.تمّ بحمد اللهأخي، مالك لا تفيق من غفلتك، وتنتهي من نومتك، وتصحو من سكرتك. الى متى الصدود عن طاعة المعبود، والغفلة عن بحر الموت المورود. فارحم نفسك قبل التلف، وابك عليها قبل الأسف، فان السفر بعيد والزاد قليل. فاعمل للموت قبل الفوت | |
|
| |
| كتاب بحْـرُ الدّمُوع | |
|